واجهت حكومات العالم خلال عام 2020 تحدياً جديداً اختلف في طبيعته وتداعياته عمَّا واجهته هذه الحكومات في العصر الحديث، فقد شكلت جائحة كوفيد-19 تحدياً معقداً ترتبت عليه تداعيات طالت مختلف أوجه الحياة الإنسانية، وهددت في مرحلة من المراحل بتوقف حركة البشرية تماماً تحت وطأة الانتشار القوي للفيروس في كثير من دول العالم وتنامي تداعياته الصحية الخطيرة. 
لقد وضعت هذه التحديات تلك الحكومات في اختبار صعب بشأن مدى قدرتها على مواجهة مثل هذه النوعية من التحديات المعقدة والمفاجئة، وأصبح الحديث عن حكومات ما بعد كورونا أحد المصطلحات التي يتم تداولها على نطاق واسع، في إشارة واضحة إلى التأثير الكبير الذي يتوقع أن تتركه هذه الجائحة على حكومات المستقبل، وطبيعة الأدوار والمهام التي تقوم بها. 
شكلت جائحة كوفيد-19 اختباراً لكفاءة الحكومات في التعامل مع الأزمات، بعد أن كشفت إخفاق العديد منها، وبعضها ينتمي إلى دول متقدمة، في إدارة هذه الأزمة، والتخفيف من آثارها. وتمكنت، في المقابل، حكومات دول أخرى من التعامل بنجاح مع هذه الجائحة بعد إدارتها باحترافية وكفاءة كبيرتين، سواء في ما يتعلق باتخاذ الإجراءات الاحترازية أو في ما يتعلق بالشفافية وسرعة الاستجابة للمستجدات.
لقد تمكنت هذه الدول، بفضل هذه الإدارة الجدية، من تقليص التداعيات المترتبة على الجائحة واحتوائها. ولعل حكومة دولة الإمارات تجسد المثال الأبرز حيث أنها نجحت في إدارة هذه الجائحة وفق منهج مدروس وازن بين سلامة المجتمع وبين استمرار الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، ليس هذا وحسب، بل إن الإمارات تأتي في مقدمة الدول التي تتبنى استراتيجية مدروسة لإدارة مرحلة التعافي المستدام في مرحلة ما بعد كورونا.
شكلت، في هذا السياق، جلسات «حوارات القمة العالمية للحكومات» التي عقدت فعالياتها عن بُعد على مدار يومي 9 و10 مارس الجاري، فرصة مميزة لاستشراف طبيعة الدور الذي تقوم به حكومات المستقبل في عالم ما بعد كورونا، وخرجت بمجموعة من التوصيات والمقترحات المهمة في هذا الشأن، لعل أبرزها الاستفادة من الفرص التي أتاحتها هذه الجائحة في تصميم آليات جديدة للارتقاء بالعمل الحكومي. 
وبالإضافة إلى هذا، تفعيل منظومة الأزمات والكوارث لتكون قادرة ليس فقط على التعامل مع أية تحديات طارئة، وإنما توقعها والاستعداد لها، وتطوير نمط من الاستجابة العالمية السريعة في مواجهة الأزمات العالمية مهما كانت طبيعتها، تشارك فيها حكومات العالم، والاستثمار في القطاعات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والتكنولوجية الرقمية، باعتبارها تعزز من كفاءة حكومات المستقبل.

*  مركز تريندز للبحوث والاستشارات