تعتبر الاتفاقية الاتحادية التي توافق عليها الآباء المؤسسون السبعة، والتي تم إنفاذها عملياً في الثاني من ديسمبر 1971، والدستور الاتحادي الذي قاموا بالتوقيع عليه بداية للمسيرة الاتحادية المباركة التي انقضى على وجودها حتى الآن خمسين عاماً.
إن الاتفاقية هذه تعتبر جزءاً مهماً من تاريخ الإمارات الحديث، مثلما هو الأمر بالنسبة للاجتماعات والمفاوضات والمؤتمرات المضنية التي سبقتها، أو النجاحات والإرهاصات التي أعقبتها في السنوات اللاحقة. وجميع ذلك له حصصه من التحليل والتنظير، الذي يلقي الضوء عليه رغم أن ذلك لم يفصح بعد عن دراسات متكاملة الجوانب تُؤرخ لما مضى من مسيرة هذه الدولة الفتية كمشروع وطني علمي رائد يحتاج إلى من يتبناه لكي يرى النور بشكل قائم على أسس علمية محايدة يغلب عليها الطابع التحليلي الذي ينصف الجميع ويبتعد عن الصبغة ذات الميل الإعلامي الصرف.
نعم لقد خرجت العديد من الدراسات والكتابات حتى الآن، ولا أبالغ إن ذكرت بأني قد اطلعت على معظمها باللغتين العربية والإنجليزية، لكن العديد منها لم يرتق إلى المستوى المنشود الذي أطرح فكرتي على أساس منه ويحتاج إلى من يتصدى له كمشروع.
وعلى أية حال الاتفاقية الاتحادية عندما أبرمت لم يقصد بها بلورة أيديولوجية واضحة المعالم رغم أنه كان لها أتباعها من المؤمنين حقيقة بها، لكنها لم تشكل فكراً محيراً أو موضوعاً صعب الفهم.
لقد نتج عنها بناء وطني شامخ وإصلاحات جذرية عميقة، ولم تشكل استهدافاً لأي طرف خارجي.
كانت غنية في إبداعاتها ومبتكراتها في بناء الوطن، لم تكن تجربة تخاض في فراغ. كانت قادرة على تعبئة وتحريك المواطنين خلف قياداتهم، ولم ينتج عنها إهمال للمواطنين وحقوقهم في أي وقت. أوجدت قيادة وطنية قوية وطموحة، قيادة أشركت الجميع في شؤون وطنهم وخيراته.
إن من الممكن النظر إلى الاتفاقية الاتحادية على أنها استكمال للوعد الخاص بتحقيق حياة إماراتية كريمة - وهو حلم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته في السنوات التي مضت ما قبل قيام الاتحاد - أو كتمرين حي على البراجماتية الأدواتية التي كان الحكام السبعة يعملون على أساس منها في السنوات التي أعقبت الإعلان البريطاني الخاص بالرغبة في الانسحاب العسكري والسياسي من المنطقة في عام 1968 أو ما عرف باستراتيجية شرق السويس.
لكن إذا كان ذلك فهم وإدراك للوعد الحر أو لتطبيق الفلسفة البراجماتية، فإن ذلك قد حدث نتيجة لعواطف وطنية جياشة من قبل القيادة والشعب عوضاً عن أن يكون بالتخطيط المعد له سلفاً إن جميع تلك العناصر كانت حاضرة، لكنها لا تعبر عن الديناميكيات الخاصة بالاتفاقية الاتحادية ذاتها.
ما أود طرحه هو أن الاتفاقية التي أعدت ما بين 1968 و1971 كانت ببساطة وإلى أقصى حد ممكن دليل على رغبة الجميع في عقدها سياسياً وبسرعة في زمن كانت المنطقة تمر فيه بمخاطر أمنية كبرى وبمعضلات تهدد وجودها وسلامة وأمن مواطنيها.
ووفقاً لما تم الدفاع به عنها من مؤيديها، أو ما تعرضت له من انتقادات أو رغبات في العرقلة من قبل مناوئيها وأعدائها الخارجيين، أتت الاتفاقية الاتحادية لكي تخلق انطباعاً دائماً في التجربة الإماراتية - وهو انطباع أقول عنه بأنه على المدى البعيد يمكن مقارنته فقط مع مولد الوطن الإماراتي الجديد ذاته بكافة مكوناته، ومع الإرهاصات العنيفة التي كانت المنطقة ستتعرض لها لو لم تقم الدولة الاتحادية.
كانت الاتفاقية الاتحادية في وقتها قد أصهرت الكثيرين من جانب، ومن جانب آخر شلّتْ أو على الأقل قيّدت قدرة العديد من الأطراف المتربصة للنيل من قدرة المنطقة على الحركة أو الفعل في ذلك الاتجاه، ونشير على الأقل إلى قيام إيران باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى.
وفي الحقيقة ما زالت الاتفاقية بإنجازاتها تبهر أنظار العالم في الوقت الذي تؤجج فيه الشعور الوطني ليس لكونها كانت سلسلة من الأحداث الجسام المترابطة والمتصلة فقط، ولكن لكونها أيضاً حدثاً وطنياً مهماً ومؤثراً وحّد سكان الإمارات السبع وأراضيها ومقدراتها، لكي تشكل وطناً واحداً هو مبعث للقوة والمنعة والفخر والاعتزاز.