إذا لم يتم تلقيح مليارات الناس في كل أرجاء العالم بنجاح ضد فيروس «كوفيد-19»، فإنه سيكون من الصعب احتواء التأثيرات الكارثية للوباء. والحال أنه حتى أوائل مارس 2021، كان عدد الأشخاص الذين تلقوا حقنة واحدة من اللقاح جد منخفض، على الرغم من بعض قصص النجاح البارزة. 
لكن لنبدأ بالأخبار السارة أولاً. فقد استطاع عدد من البلدان الوصول إلى أعداد كبيرة من مواطنيها وتوفير الحقنات الأساسية لهم. وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة وآيسلندا وتشيلي وإسرائيل في مقدمة هذه البلدان، ومن جانبهما، تبلي المملكة المتحدة والولايات المتحدة، اللتان لديهما عدد كببر من السكان، بلاءً حسناً على نحو مفاجئ، وذلك بالنظر إلى الأخطاء التي اعترت طريقة تعاطيهما مع الوباء خلال مراحله الأولى. ففي حالة الولايات المتحدة، سيطرت إدارة بايدن على كل عملية إدارة توزيع اللقاحات، وقد قطعت أشواطاً معتبرةً في طريقها نحو تحقيق هدفها المتمثل في 100 مليون حقنة خلال مئة يوم الأولى لها في السلطة. إذ تُظهر أحدث الأرقام أن مليوني حقنة من اللقاح على الأقل تعطى في اليوم، مما يعني أن الأهداف الأولية يفترض أن يتم تجاوزها. ونظرياً، فإن هذا سيضع الولايات المتحدة على السكة لتكون واحدة من البلدان الأكثر تلقيحاً في العالم، شريطة نجاح حملة إقناع كثير من الأميركيين ما زالوا مترددين في تلقي اللقاح بتغيير آرائهم. وفضلاً عن ذلك، فإن إضافة لقاح «جونسون آند جونسون»، الذي لا يتطلب سوى حقنة واحدة ويمكن تخزينه واستخدامه في درجات حرارة أكثر اعتدالاً من لقاحي «فايزر» أو «موديرنا»، تعني أنه سيصبح من السهل أكثر الوصول إلى المناطق الريفية والمعزولة. غير أن نجاح برنامج التطعيم الأميركي لن يُحدث فرقاً كبيراً إذا لم تحرز البلدان الأخرى تقدماً بخصوص التلقيح، أو كانت غير قادرة على فرض قيود صارمة على سفر مواطنيها. 
ومن بين التحديات التي تواجه التطعيم الشامل الاعتراضات الدينية والثقافية والسياسية التي يبديها العديد من الناس عبر العالم. ولحسن الحظ، فإن كل الأديان الكبرى في العالم تعترف بضرورة التلقيح، لا بل إن بعضها يشدد على أنه واجب على المرء من أجل حماية مواطنيه. غير أن بعض الاعتراضات تصدر عن أشخاص يرون أنه من الخطأ ومن غير المقبول استخدام لقاحات تحتوي على مادة جنينية مأخوذة من البشر. هذا، في حين تصدر اعتراضات ثقافية عن أفراد من مجتمعات مختلفة عاشت من قبل تجارب تاريخية سيئة لأسباب مختلفة. وأحد أبرز الأمثلة في الولايات المتحدة يتعلق بالمعاملة التي تلقاها مواطنون سود في تاسكيغي بولاية ألاباما بين 1932 و1972، حين تمت دراسة حالات إصاباتهم بالزهري، لكن لم يُقدَّم لهم «البنسلين» عندما أصبح متاحاً في الأربعينيات. وكان من نتائج ذلك زيادة انتشار مشاعر الشك والارتياب بين السكان السود واعتقادهم بأنهم يُستخدمون كفئران تجارب في فحوصات طبية ترعاها الحكومة. 
أما القيود السياسية على التلقيح، فتختلف من بلد إلى آخر. فعلى مدى عدة أشهر، كان يُنظر إلى الاعتراضات على ارتداء الكمامات في كثير من الأحيان على أنها رفض للقوانين والأنظمة التي تسنها الحكومات المحلية والإقليمية والفدرالية. فأن تكون «من دون كمامة» خلال إدارة ترامب كان يُنظر إلى ذلك على أنه طريقة للاحتجاج ضد التضييق على «الحرية»! واللافت أن ترامب لم يفعل شيئاً ليحارب هذه السياسة، بل إنه شجّع هذا التحدي، كما توثق ذلك الاجتماعات السياسية والاجتماعية التي عقدها خلال عامه الأخير. 
لكن لحسن لحظ، هناك مقاومة أقل للتلقيح. وأكبر المشاكل تتعلق بإنتاج اللقاح وتوزيعه. والمثير للسخرية هنا هو أن الاتحاد الأوروبي ببيروقراطيته الكبيرة كان ضعيفاً جداً في إدارة برنامج التلقيح الخاص به. ذلك أن كل واحد من أعضاء الاتحاد الأوروبي الكثيرين استخدم طرقاً وبروتوكولات مختلفة للتوزيع، والنتائج لم تكن جيدة. 
غير أنه في غياب ارتفاع جديد في انتشار الفيروس الذي تُعد سلالاته الجديدة أكثر مقاومة للقاحات الحالية، أو في حال فشلت اللقاحات الحالية في أن تكون في مستوى التوقعات، وهذا أسوأ السيناريوهات، فإن الجهود العالمية ستنجح على الأرجح. وفي غضون عام قد يعود العالم مرة أخرى إلى سلوك اجتماعي واقتصادي أقرب إلى الطبيعي.