يقدم تقرير البنك الدولي عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤشرات ومقاربات واقتراحات لمواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، وخاصة بعد جائحة فيروس كورونا، وكما هو شأن الكوارث والتحديات الكبرى، فإن جائحة كورونا تؤسس لثقافات وسياسات جديدة، وتنشئ أيضاً احتياجات جديدة، ربما يكون من أهمها تجديد العقد الاجتماعي للدول والمجتمعات. وقد شهدت أقاليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انكماشاً اقتصادياً يقدر حسب البنك الدولي بحوالي 4.2 في المائة، مما يعني بالضرورة زيادة الفقر والبطالة، وهما حالتان تتحديان الأمم في هذا الإقليم، الأمر الذي يفرض بإلحاح إعادة إدارة وتوزيع الموارد على النحو الذي يزيد الاهتمام بالتعليم والصحة والتماسك الاجتماعي، وهذه أهم ملامح العقد الاجتماعي الجديد بعد الجائحة!
وقد تضاعفت بالفعل أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل، ففي مثل هذه الظروف يكون الذين يعيشون حالة الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية هم الأكثر تضرراً، لأنهم يراوحون بين الحافة والحد الأدنى للمعيشة، وبالطبع فإن المنطقة قبل الجائحة كانت تعاني من صراعات وأزمات سياسية واقتصادية تزيد الحالة سوءاً وصعوبة.
وتعتبر منطقة الشرق الأوسط أقل أقاليم العالم في التكامل الاقتصادي، إذ لا تتجاوز التجارة بين بلدانها 10 في المائة من إجمالي حجم تجارتها، ومن المشروعات التي يمكن أن تساعد الدول في سد الفجوة في الاحتياجات والتجارة البينية إقامة سوق كهرباء عربية مشتركة، بربط شبكات الكهرباء في الدول ببعضها البعض.
ويقترب عدد سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 400 مليون نسمة، منهم 30 مليون شخص يعانون من فقر مدقع، ولا تزيد نسبة مشاركة النساء في العمل على 10 في المائة من القوى العاملة، وفي المقابل فإن الخدمات والمرافق العامة والصحية تتسع وتغطي أغلبيةً كبرى من السكان. ومن شأن مراجعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية وإعادة توجيهها أن تساعد شعوب المنطقة ودولها على استيعاب الأزمة، وخاصة إذا استثمرت الموارد والمكتسبات المتحققة في هذا المجال.
ومن الاقتراحات الممكنة الاستثمارُ في الطفولة ورأس المال البشري، وتحسين المهارات المعرفية والحياتية ومواجهة الأمراض السارية. وهناك حاجة ملحة وقصوى لتحسين وتطوير التعليم في معظم بلدان الشرق الأوسط، من أجل زيادة استيعاب الأطفال والأعداد المتزايدة من التلاميذ وتطوير قدرات المعلمين على استيعاب التغيرات الكبرى في المعرفة والتقنيات المتصلة بالتعليم والمعرفة، وبناء منصات شاملة وكفؤة للتعلم من خلال الشبكة. ويحتاج الشباب إلى تدريب وتأهيل لاستخدام الشبكة في العمل والاستفادة من الفرص والمنافع التي تتيحها في الأسواق والأعمال، وتزويد الطلاب بأجهزة لوحية وحواسيب تمكنهم من التواصل مع المنصات التعليمية، وتطوير قدرات شبكة الإنترنت لتغطي جميع الناس ولتكون مشاعة في المدارس والجامعات والساحات والميادين والمرافق العامة. وتحسين وتطوير أنظمة التأمين الصحي لتفعيل الموارد المخصصة في مجال الصحة والدواء. وزيادة فرص العمل، والمشاركة في الاقتصاد العالمي وفرصه الممكنة.
لقد تحولت التنمية إلى مجال عام وعقد اجتماعي يشارك فيه جميع الناس، إذ أنها تعتمد على مشاركة شاملة ووعي والتزام وسلوك فردي ومجتمعي نحو الصحة والسلوك الاجتماعي والغذائي، لأن الذات الفاعلة هي أساس الإصلاح والتحول بكفاءة إلى مرحلة جديدة وبأقل ما يمكن من الخسائر. وصار من البديهي أن الخروج من حالة الصراع والكراهية هو الخطوة الأولى ليتقبلنا العالم، ونكون قادرين على أن نكون جزءاً منه، قبل أن تتحول المنطقة إلى إقليم ميؤوس منه.

*كاتب أردني