ندرك جميعاً أهمية الأوكسجين للاستمرار في الحياة للغالبية العظمى من الكائنات الحية، بما في ذلك أفراد الجنس البشري. كما يعتبر الأوكسجين من العقاقير الأساسية (Essential Medicine)، بسبب استخدامه على نطاق واسع في نظم الرعاية الصحية، خلال الجراحات الكبرى، وبعد الحوادث والإصابات الشديدة، ولعلاج مرضى فشل أو هبوط القلب، والأزمات الشُّعبية، والالتهابات الرئوية الحادة، وفي الرعاية الصحية للأم ومولودها.
ويمكن إدراك أهمية الأوكسجين كأحد الأدوات الأساسية في الرعاية الصحية، من حقيقة أن من بين حوالي 800 ألف شخص يلقون حتفهم سنوياً بسبب الالتهاب الرئوي الحاد، كان من الممكن إنقاذ 20% إلى 40% منهم، لو توفر لهم علاج كافٍ بالأوكسجين، وهو ما يترجم سنوياً إلى وفاة ما بين 160 ألفاً و320 ألف شخص كان بالإمكان إنقاذهم بالأوكسجين.
هذا العنصر الطبيعي المتواجد بوفرة في صورته الحرة، تسبب وباء فيروس «كوفيد-19» الحالي في زيادة الطلب عليه بصورة غير مسبوقة، كونه يعتبر أحد أهم سبل إنقاذ حياة المصابين بالفيروس، سواء أكانوا في بيوتهم، أم في عنابر المستشفيات، أم يتلقون العلاج من خلال أجهزة التنفس الاصطناعي في أقسام العناية المركزة. وعلى عكس الدول الغنية التي تمتلك البنية التحتية لتلبية الطلب على الأوكسجين، أصبحت الدول متوسطة الدخل والفقيرة تعاني من أزمة شديدة، سببها النقص في المتوفر من الأوكسجين، وثمن ذلك فقْدان عدد لا يحصى من الأرواح.
ويُعتَقَد أن الدول متوسطة الدخل والفقيرة، بسبب الوباء الحالي، أصبحت تحتاج إلى 1.1 مليون أسطوانة أوكسجين، أي حوالي تسعة ملايين متر مكعب من الغاز يومياً، وهي أرقام تفوق القدرة الإنتاجية المتاحة لتلك الدول. فرغم توفر تريليونات الأمتار المكعبة من الأوكسجين في الغلاف الجوي، فإن تركيزه وضغطه في أسطوانات، يحتاج إلى موارد بشرية مدربة فنياً، وإلى استثمارات مكلفة، بالإضافة إلى توفر مصدر طاقة مستمر يمكن الاعتماد عليه.
إن هذا الوضع برمته أدى إلى إنشاء ما يعرف بقوة مهام أو فريق عمل طوارئ الأوكسجين (Oxygen Emergency Taskforce)، المعني بتوحيد جهود المنظمات الرئيسية العاملة في مجال توفير الأوكسجين الطبي. وستضطلع المنظمات الأعضاء في هذا الفريق بمراقبة مستوى الطلب على الأوكسجين في مختلف دول العالم، والتعاون مع الشركاء والممولين، لضمان توفر المصادر المالية والمساندة الفنية للدول الأشد حاجة لغاز الحياة. 

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية