تختلف زيارة البابا فرنسيس للعراق جذرياً عن سواها من زيارات القادة والزعماء بكونها لا تأتي في سياق اصطفاف سياسي معيّن. هو رأس الكنيسة الكاثوليكية، لكنه استطاع خلال سبعة أعوام من بابويّته أن يثبت إنسانيته الجامعة بمخاطبته أبناء الديانات كافةً، وتسليطه الضوء على قيمها المشتركة. كثيرون أشاروا إلى شجاعة البابا فرنسيس وتحدّيه لتفشّي الوباء وللمخاطر الأمنية في العراق، لكنه بدا مدفوعاً بتلك العبارة التي استهلّت «وثيقة الأخوّة الإنسانية» التي وقّعها مع شيخ الأزهر في أبوظبي (4 فبراير 2019): «يَحمِلُ الإيمانُ المؤمنَ على أن يرى في الآخر أخاً له، عليه أن يؤازره ويحبّه». 
لا تستطيع زيارة البابا إحداث تغيير وشيك أو قريب في مجرى الأحداث في عراق مضطرب ومعذّب، لكنه اقترب من أتون الصراعات الساخنة المتداخلة، القومية والعرقية والدينية والمذهبية، ليقول لأصحابها من موقعه: «أنتم جميعكم إخوة»، لعل في تنبيهه هذا ما يحرّك المياه الراكدة في أعماق الأذهان. وحين حدّد محطات زيارته، بغداد وأور (الناصرية) والنجف والموصل وأربيل، لم يكن يرسم خريطة توزّع الأقليات المسيحية فحسب، بل يلفت العراق والعراقيين إلى الغنى التاريخي والإنساني الذي جعل من أرضهم المهدَ الأول لتشكّل الفكرة الدينية، بدءاً من النبي إبراهيم، وللحضارات التي أنبتتها. ولم تستطع أي غزوات أو مطامع أو طموحات، في أي حقبة من التاريخ، رغم قوّتها وجبروتها، أن تمحو هذه الملامح الراسخة في الأرض العراقية. وآخر المحاولات كان إرهاب «داعش» وأُفشلت بثمن بشري وعمراني باهظ.
لا شك في أن الهجرة القسرية للمسيحيين من سائر بلدان المشرق مقلقة لكثير من المرجعيات، وللبابا بشكل خاص، ولعلّها أحد دوافع «حجّه» إلى العراق، وقبله إلى فلسطين، لكنها باتت الآن دليلاً على انحدار قيم السلام والتسامح التعايش المشترك، ومؤشّراً إلى انعدام الأمان للأقليات التي تشارك المسلمين معاناتهم، لكن قدرتها على البقاء في أرضها لا تنفك تتضاءل. كانت صراعات الطوائف والأعراق على تقاسم السلطة قد جعلت المسيحيين في وضع هش وطارد، وما لبث الإرهاب أن اضطهدهم بوحشية استعادت أيام المغول. وللمرة الأولى في العصر الحديث لم يبقَ منهم سوى الثلث، لكن المشرق من دون المسيحيين يفقد الكثير من روحه وتاريخه ومعناه الوجودي. واقع الحال اليوم أن المسيحيين ليسوا وحدهم، بل إن المسلمين أيضاً، لم يعودوا يتحمّلون العيش في بلاد تنهار فيها الدول وتعجز عن احترام المواطنة بما هي مساواة وعدل. 
دعا البابا فرنسيس في خطبه إلى «تعزيز روح التضامن الأخوي» باعتباره مفتاح المعالجات لكل «ما هو غير شرعي»، واضعاً كل الآفات المستشرية، في العراق وسواه، تحت المجهر: الفساد، العنف، التطرّف، التحزّب، استغلال السلطة.. والأكيد أنه كان يتكلّم باسم الغالبية العظمى من العراقيين عندما قال: «فلتصمت الأسلحة، وليتمّ وضع حدّ لانتشارها هنا وهناك، ولنسمع صوت من يدعو إلى السلام». 
وفي ظل ما يشهده العراق من صراعات، قد تبدو دعوة البابا إلى «حوار ديني من أجل التضامن بين الشعوب» مغالية في المثالية، لكن تجربة ظهور «داعش» برهنت أن انعدام الحوار في العراق فتح الأبواب أمام أنواع شتّى من الإرهاب الذي يدّعي أنه نتاجٌ للدِّين وهو ليس كذلك، «حتى وإن رفع الإرهابيون راياته ولبسوا شاراته»، كما تصفهم «وثيقة الأخوّة الإنسانية».