ما زال الملف النووي الإيراني يراوح مكانه منذ انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي المعروف ب(5 + 1)، ويضم الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي بجانب ألمانيا في جهة، وإيران في الجهة الأخرى، وأيضاً في ظل قيام واشنطن بفرض عقوبات اقتصادية على طهران. وبالرغم من أن إيران قد اعتقدت أن الرئيس الأميركي الجديد (جو بايدن) سيقوم بإلغاء قرار سلفه (دونالد ترامب) بفرض تلك العقوبات، ودوافعها لذلك انحصرت في أن الاتفاق قد تم توقيعه عندما كان البيت الأبيض (ديموقراطيا) وكان (بايدن) وقتها نائبا لباراك أوباما، إلا أن نائب الأمس ورئيس اليوم ما زال يسير على نهج (ترامب) من خلال استمرار العقوبات على إيران. 
وتفسير نهج (بايدن) قد ينطوي على ثلاثة عوامل رئيسية. الأول، رغبة واشنطن في استمرار الضغوط الاقتصادية على طهران أملا في الحصول على المزيد من التنازلات قبل الدخول إلى غرفة المفاوضات لمناقشة التعديلات المتوقعة على الاتفاق النووي الحالي، وهو الأمر الذي صار قريبا. والعامل الثاني، يتركز في رغبة (بايدن) في الحفاظ على التوازن في العلاقات بين بلاده ودول مجلس التعاون الخليجي والتي ستكون المتضرر الأكبر من تحول البرنامج النووي (السلمي) الإيراني إلى برنامج عسكري، وخاصة بعد قيام واشنطن في عهد (بايدن) بإلغاء قرار تصنيف جماعة «الحوثي» المدعومة من إيران ضمن الجماعات الإرهابية والذي صدر أواخر أيام (ترامب) في البيت الأبيض. أما العامل الثالث، فقد يكون رغبة (بايدن) في الإبقاء على الوضع الراهن كما هو إلى حين انطلاق الانتخابات الرئاسية في إيران خلال شهر يونيو القادم وبالتالي إطلاق عملية التفاوض مع رئيس جديد وعدم منح فرصة تحقيق إنجاز شخصي تاريخي ثاني لكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين سابقا والرئيس الحالي الذي ستنتهي ولايته الثانية منتصف هذا العام، حسن روحاني، والذي تم في عهده توقيع الاتفاق النووي. 
ويأتي إلغاء فرنسا وألمانيا وبريطانيا خططها مؤخرا لتوجيه توبيخ إلى إيران داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في أعقاب فشل المدير العام للوكالة في مساعيه لإيقاف انتهاكات إيران الأخيرة للاتفاق النووي، ومنها إنهاء عمليات التفتيش المفاجئة التي تقوم بها الوكالة، والتي ينص عليها البروتوكول الإضافي. وبالتالي فإن تراجع الدول الأوروبية الثلاث عن المضي قدما في مسار إصدار قرار دولي يٌمثل حلقة ضغط جديدة على إيران وملفها النووي يعكس رغبة تلك الدول في منح طهران فرصة جديدة لإثبات حسن نواياها وخاصة بعد ورود إشارات مشجعة من إيران في الأيام الأخيرة بشأن بدء محادثات غير رسمية مع القوى الكبرى والولايات المتحدة وتجنب التصعيد وإفساح المجال للدبلوماسية.
إلا أنه وبالرغم من سعي الدول الكبرى في العالم لإقناع إيران بتنفيذ بنود الاتفاق النووي أو إعادة التفاوض بشأنه، يظل التساؤل الأهم قائماً حول مدى جدية طهران في إرساء حوار هادف يساهم في تهدئة منطقة الخليج العربي وتجنيبها المزيد من التوترات والضغوط، وخاصة في ظل استمرار منح إيران منذ عقود الفرصة تلو الأخرى لإثبات حسن نيتها. إذ، كما ذكرت في مناسبة سابقة، أصبح من المعتاد عليه أن نشهد التعنت الإيراني في الاستجابة لأي مبادرات أو جهود، سواء من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أو من دول خارج المحيط الإقليمي، بهدف تهدئة الأوضاع المتوترة في المنطقة، في الوقت الذي تسلك فيه طهران دوما نهج إملاء الشروط المسبقة قبل أي حوار، وهو الأمر ذاته الذي تٌطبقه حاليا قبل العودة للاتفاق النووي.