عاشت تونس نحو تسع سنوات بعد الثورة، تمكنت خلالها من استكمال مراحل الانتقال السياسي، وقطعت شوطاً ملحوظاً في مسيرة تحقيق الديمقراطية، حيث أنجزت ثلاثة انتخابات شهد العالم بشفافيتها، وبرزت في عام 2019 بأرقى تجلياتها عندما أبعد التونسيون مرشحي الأحزاب، وألحقت صناديق الاقتراع ما وصفه المراقبون بـ«زلزال سياسي»، وضربة موجعة للنخبة السياسية الحاكمة، وتم انتخاب المرشح المستقل قيس سعيد رئيساً للجمهورية.
ومع أهمية هذه التطورات الإيجابية، لم تستطع تونس منذ الثورة تحقيق «المعجزة» التي راهن عليها التونسيون، بإحداث نقلة اقتصادية توازي ما تحقق سياسياً، إذ استمرت الأزمات الاقتصادية تمثل مشكلة أمام الحكومات المتعاقبة، وأهمها: تفاقم العجز في مالية الدولة، وارتفاع إنفاق القطاع العام على الوظائف الحكومية، وانخفاض الإنفاق الاستثماري على تمويل المشاريع التنموية، وإغراق البلاد في الديون وأعبائها، مع تدهور سعر صرف الدينار، في ظل استمرار حالة عدم استقرار الوضع الاجتماعي، فضلا عن مخاطر الاقتصاد الموازي في تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، إضافة إلى انتقادات وتحذيرات عدة من صندوق النقد الدولي الذي مدها بالقروض لدعم مسيرة انتقالها السياسي بشكل ديمقراطي، وطالبها بتغيير سياستها المالية، خصوصاً لجهة «تركيب نفقات الموازنة» التي تدهورت مسجلةً زيادة كبيرة في كتلة الرواتب والأجور. 
أما الأخطر من ذلك، كما يرى المراقبون، فهو أن أسباب عدم تحقيق «المعجزة التونسية»، رغم توافر الكثير من شروطها، تعود إلى تخلف «الإرادة السياسية»، وذلك بالإشارة إلى الخيبات المتتالية التي تجلت العام الماضي وأطفأت حماسة ما بعد الثورة، وهي حماسة مثلت خميرة قلما يجود بها التاريخ الاجتماعي. ومع الإشارة إلى أن تفسير هذه «النكسة» ظل خاضعاً للأيديولوجيات، نتيجة تبادل التهم ورمي المسؤولية بين الأطراف السياسية، وزج البلاد في حالة عدم الاستقرار، حتى أصبحت تونس مجالاً مغرياً لتعدد الولاءات والأجندات الخارجية. الأمر الذي أضر بالاقتصاد، وعمّق الهوة بين الشعب والطبقة السياسية. 
وصادف أن جاءت جائحة كورونا لتزيد الطين بلة، حيث ساهمت تداعياتها في انكماش اقتصادي بلغ 8.8%. وتخطط الحكومة في موازنة العام الحالي للخروج من النمو السالب، وتحقيق نمو بنسبة 4%. لكن يقلقها تراجع التصنيف السيادي لتونس، وفق وكالة «موديز»، من «B2» إلى «B3»، مع الإبقاء على آفاق سلبية للاقتصاد، بما يشير إلى ارتفاع المخاطر في ظل فقدان جوانب كثيرة من ثقة المستثمرين الأجانب والدائنين. كذلك أقرت وكالة «فيتش رايتينغ»، بمراجعة نظرتها لتونس من مستقرة إلى سلبية، على تصنيفها السيادي عند «B»، وهي درجة تعمق مخاطر السيولة على مستوى الموازنة، بما يتطلب إصلاحات ضخمة ومجهودات كبيرة؛ الأمر الذي جعل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي «عسيرة جداً»، لتجديد الاتفاقية المعقودة لسنوات (2016- 2020) بقيمة 2.9 مليار دولار، خصوصاً لجهة تحفظ الصندوق على تراجع نمو الاقتصاد وعجزه عن سداد الديون المستحقة.
وكنتيجة طبيعية لهذه التطورات السلبية، تواجه تونس صعوبات في الحصول على قروض من الأسواق الدولية، ما يضطرها للاستعانة بقروض داخلية، وهي تتعرض لانتقادات الاقتصاديين الذين يرون الدولة منافساً للقطاع الخاص الذي يعتمد على القروض المصرفية لتمويل استثماراته.

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية