تنطلق النظريات الجيوبولتيكية كنظرية القوى البحرية «ألفريد ماهان» ونظرية القوى البرية «هالفورد ماكندر» ونظرية الإطار الأرضي «نيكولاس سبايكمان» من قاعدة «أن حدود سيطرة قوة ما أو قيام تحالف في منطقة لها معطيات مكانية جغرافية تؤهلها لتكون قوى عظمى تؤثر في مسار السياسية العالمية أو تحد من دور القوى على الساحة الدولية»، ولكن واعتباراً من ستينيات القرن الماضي، ثم انتهاء الحرب الباردة، والظهور المفاجئ لتكنولوجيا متسارعة حديثة، فقد تبدلت هذه النظريات وتبدل معها «قلب الأرض» والهلالين الداخلي والخارجي وما عاد الفكر الأمني الاستراتيجي يدرس «السيطرة على المواقع» أو أحكام القبضة على الجغرافيا ذات الأهمية الاستراتيجية من خلال القوة العسكرية أو الاحتلال المباشر وحل مكانها نظريات أكثر واقعية وعملية.
تكرس نظرية القوى البحرية للمؤرخ والاستراتيجي الأميركي «ألفرد ثاير ماهان 1840-1914» أن «أول متطلبات اكتساب القوى العالمية هي السيطرة على الطرق المائية والبحار والمضايق والممرات البحرية الاستراتيجية»، وأن «من يحكم المحيط يحكم تجارة العالم، ومن يحكم تجارة العالم يحكم ثروات العالم، وأن من يسيطر على ثروات العالم فهو يحكم العالم نفسه». وضرب «ماهان» مثلاً أن «موقع الإمبراطورية الروسية الجغرافي يجعل منها قلعة حصينة»، لذلك فإن «قلب الامبراطورية الروسية غير قابل للاختراق»، ولكن فهم هذه النظرية بشكل عميق وبعدما جرى في الحرب الأهلية الروسية خلال (1918-1921) قد دفع بالولايات المتحدة الأميركية لوضع «الاستراتيجية البحرية» ببناء وتشكيل أسطول بحري عملاق يشمل السفن والغواصات وحاملات الطائرات وكاسحات الألغام، فتفوقت على القوة البحرية لروسيا الاتحادية، وكانت واحدة من الأسباب غير المباشرة لانهيار الاتحاد السوفييتي (1989-1991).
تحدد نظرية القوى البرية لـ«هالفورد ماكندر 1861-1947»، منطقة «قلب الأرض» أنها تمتد غرباً من مصب نهر الألب إلى جبال كوليمسكي وستانوفي شرقا إلى مصبات أنهار سيبيريا الكبرى في المحيط المتجمد الشمالي شمالاً إلى جبال القوقاز ونهر الفولغا وهضبة التبت وينابيع النهر الأصفر جنوباً. وذكر «ماكندر» بأن قلب الأرض سيكون منيعاً على القوى البحرية، وأن الموقع المفصلي لروسيا الاتحادية يعطيها الأفضلية الاستراتيجية بسبب سهول وسط آسيا التي تمنح روسيا ميزة الدفاع في العمق بالقول، إن ذلك يساعد روسيا على كسب الوقت في أثناء الحرب حيث يسمح لها بإعادة ترتيب قواتها في حالة مهاجمتها، ولكن رجال السياسة والدفاع والاقتصاد في أميركا فطنوا إلى تلك النظرية، وعملوا مع الأوروبيين على منع روسيا من الهيمنة على قلب الأرض، وبقي السجال، خلال وبعد الحرب الباردة حول التحالفات في منطقة الهلال الداخلي وإقليم الشرق الأوسط، ومن الذي يمكنه أن يكون الحليف الأكبر والأقوى، والشريك الفاعل للقوى الجديدة في الشرق الأوسط.
الهلال الأرضي في نظرية الأطراف (الإطار الأرضي) لأحد مؤسسي مدرسة الواقعية الكلاسيكية في الخارجية الأميركية «نيكولاس سبايكمان 1893-1943»، هو البديل المقترح للهلال الداخلي في نظرية «ماكيندر»، حيث رأى «سبايكمان» أن «قلب الأرض ميت»، وأن الهلال الداخلي يشمل أوروبا والجزيرة العالمية (الحلقة المتصلة من اليابس في أوروبا وآسيا وأفريقيا)، وكذلك العراق وإيران وأفغانستان والهند وجنوب شرق آسيا والصين وكوريا وشرق سيبيريا، ورأى أن (من يسيطر على الهلال الداخلي يتحكم في أوراسيا ومن يتحكم في أوراسيا يسيطر على العالم) باعتبار أن الهلال الداخلي هو حلقة الوصل بين المياه الدولية ومنطقة قلب الأرض الذي يعج بالموارد الطبيعية والبشرية.
حان الوقت، وبسبب التغييرات التي شهدها العالم سياسياً وعسكرياً بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية واقتصادياً بظهور المخزون النفطي الهائل في منطقة الخليج، وتطويعه في التنمية المستدامة وظهور قيادات عربية خليجية ذات رؤى استراتيجية متقدمة ومتفوقة، أثبتت مكانتها العالمية، لإعادة صياغة القانون الجيوبولتيكي للعالِم الجغرافي البريطاني السير «هالفورد ماكندر» في كتابه «المحيط الجغرافي للتاريخ»، والذي التقطه هتلر وتناوله بطريقة خطأ (أن من يسيطر على أوروبا الشرقية يسيطر على العالم)، ليصبح القانون الجيوبولتيكي الحديث هو أن «من يتحالف مع دول الخليج العربي، وتحديداً مع الإمارات، سيكون شريكاً في مستقبل البشرية»، حيث تسعى الإمارات، بكل ما لديها من قوة وحكمة وطاقة ومثابرة، لدراسته وتحديده بذكاء بالغ، وبالتالي فإن من شركاء الإمارات في مستقبل البشرية (من نواحي إنسانية وثقافية واقتصادية وسياسية وعسكرية) سيكون لهم الدور الأبرز في تأمين كافة متطلبات المستقبل، وعلى رأسها سبل حفظ السلام والأمن ووأد الإرهاب بكافة أشكاله، وتأمين «قلب الأرض» بالتسامح والسلام، وليس بالصراعات والحروب.