دائماً ما تستوقفني الأخبار التي تنشرها صحفنا اليومية عن ضبط وزارة الداخلية الإماراتية عصابات الإتجار بالمخدرات، وكان آخر تلك الأخبار تمكّن شرطة أبوظبي من ضبط طن و41 كيلو غراماً من المواد المخدرة، والتي تزيد قيمتها عن مليار درهم، وإلقاء القبض على 22 متهماً ينتمون إلى عدة جنسيات. كما قرأت خبراً آخر مفاده أن السلطات المختصة قبضت على ثمانية أشخاص مشتبه بهم في عمليات غسيل أموال ناتجة عن تلك التجارة غير المشروعة.
صحيح أن العصابات المنظمة تبتكر دائماً أساليب جديدة وطرائق لتهريب المواد المخدرة إلى داخل الدولة، وترويجها بين أوساط الناشئة والشباب على وجه الخصوص بهدف تحويلهم إلى مدمنين؛ إلا أن رجال الأمن يعملون جاهدين على كشف تلك الأساليب. لكن أين دورنا كراشدين في حماية أولادنا أيضاً؟
إن مسؤولية الحفاظ على سلامة المجتمع من أية عملية اختراق لا تقع فقط على الجهات الأمنية المختصة، إنما هي مسؤولية تقع على الأهل بالدرجة الأولى الذين عليهم أن يدركوا أهمية دورهم في تربية أولادهم، وزرع القيم الحميدة فيهم، بحيث تصبح لديهم مناعة ضد الانزلاق في مستنقعات كثيرة من بينها التعاطي والإدمان والترويج.
ومع شديد الأسف، أن الكثير من الآباء والأمهات يعتقدون أن أولادهم سيكونون في مأمن طالما يقوم رجال الأمن بدورهم حيال تلك القضية الشائكة والخطيرة، غير أنهم مخطئون تماماً لأنهم بذلك يتخلون عن أدوارهم المفروضة عليهم دينياً وإنسانياً. فالأديان والأنبياء نادوا بضرورة اضطلاع الوالدين بمسؤولياتهما حيال أولادهما، لأنهما بما يمتلكان من فهم ووعي سيبنيان أسرة أساسها متين، وأولاداً قادرين على تمييز الخطأ والابتعاد عنه، وعلى إدراك ما هو إيجابي والإسهام في عملية بنائه.
ما قدمه الآباء والأمهات لأولادهم في بلدنا في زمن لم يكن فيه رخاء ولا رفاه، إنما هو دليل على أن التربية المسؤولة تصنع أبناء صالحين ومجتمعاً متماسكاً، فبالرغم من أنهم لم يكونوا متعلمين إلا أنهم ربوا رجالاً ونساء هم اليوم مضرب مثل لنا، والسبب أنهم تقاسموا أدوارهم كما يجب، فما بالنا وأن جميع الناس اليوم متعلمون، لا بل وخريجون جامعيون، ما يعني أنهم باتوا أكثر وعياً بالآفات المجتمعية في ظل الانفتاح العالمي الكبير، وأعظم إدراكاً بالفجائع التي يمكن أن ينتهي إليها الناشئة إن تاهوا عن الطريق القويم.
وليست المخدرات وحدها هي الخطر الذي علينا خشيته، بل هناك التطرف الديني أيضاً والانجراف وراء رذائل الأفعال، وكلها أمور يمكن أن تقود الناشئة بالتحديد إلى طريق هلاكهم إذا لم ننتبه جيداً إلى كل ما يرتبط بهم وبشؤونهم، وكأننا لا نفهم زمنهم ولا احتياجاتهم ومتطلباتهم ولا نمنحهم الثقة بأنفسهم، وإذا لم نحسن تربيتهم على فضائل الأخلاق، لأننا إن أعطيناهم كل شيء مادي وبخلنا عليهم بالحب والاحترام والتقدير سيذهبون غالباً في طريق أوله شقاء وآخره تهلكة.
إنني مقدر تماماً الجهود التي تقدمها المؤسسات الأمنية والمجتمعية والتربوية والتعليمية لتوعية المجتمع بكافة فئاته، لكنني في ذات الوقت مؤمن بأن الدور الأكبر للبيت، والمسؤولية الكبرى تقع على أولياء الأمور. نحن نعيش في زمن كل شيء فيه موجود، وفي دولة توفر لنا الحياة الكريمة، حيث تقدم لنا مؤسساتها جميع ما يجعلنا سعداء، كما تقف إلى جانب أولادنا إن أخطأوا وجرهم الأراذل والأنذال إلى الإدمان، فتمنحهم رعايتها الكاملة وعلى جميع المستويات، غير أني أعود لأؤكد أن علينا نحن الراشدين أن نقدّر أولادنا كأمانة منحنا الله إياها، ونهبهم المحبة ونرعاهم ونمسك بأيديهم إلى أن يصلوا إلى بر الأمان، كي لا يتحسر أحدنا يوماً ويبكي على نعمة فقدها.