بعد أن وصل «مسبار الأمل»، الذي أرسلته دولة الإمارات العربية المتحدة إلى المريخ، وتموضع في مداره المقرر له حول الكوكب الأحمر بنجاح، يتساءل الكثيرون من داخل الإمارات وخارجها حول الذي ستستفيده الدولة التي لم يمضي على تأسيسها حتى الآن سوى خمسين عاماً من مشروع ضخم ومكلف كهذا؟ وهل ستكون قادرة على الاستمرار فيه لأمد طويل؟ والحقيقة هي أن استفادة الإمارات العلمية البحتة قد تم التطرق لها من قبل العديد من المسؤولين عن المشروع مباشرة، بالإضافة إلى عدد كبير من الكتاب والمفكرين الذين تحدثوا عنه في وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
وكاتبكم كمتحدث في الشؤون السياسية والاستراتيجية والقضايا الاقتصادية والفكرية المرتبطة بها يهمه القول بأنه توجد في عمق وخلفية مشروع ضخم ورائد وجريء كهذا أهداف وفوائد استراتيجية واقتصادية أبعد كثيراً مما يمكن أن يتبادر إلى ذهن الإنسان العادي، لأنها من الناحيتين الواقعية والنظرية لا يمكن أن تتحقق في غمضة عين أو بين ليلة وضحاها، إنما ستأخذ وقتاً طويلاً قد لا تشهده الأجيال الحالية، وباختصار شديد هو مشروع للاستثمار في المستقبل.
والواقع أنه من الناحية الاستراتيجية بعيدة المدى توجد أهداف تخص دولة الإمارات وحدها تتعلق بتنمية وتطوير قدرات أبنائها من الناحية العلمية واستكشاف الفضاء الخارجي والكواكب الأخرى، بالإضافة إلى إمكانية الاستثمار الاقتصادي المستقبلي في كوامن ومقدرات الفضاء الكوني الفسيح، وهذه طموحات ترتبط بقيادة ودولة وشعب خلاق يهمه كثيراً ألا يضع أمامه قيوداً تعرقل مسيرته، وهي طموحات وتطلعات ليست متاحة لكل شعب وأمة في هذه المرحلة من المسيرة الإنسانية، خاصة أمم وشعوب العالم العربي والعالم النامي بأكمله.
ويضاف إلى ذلك هدف استراتيجي آخر هو إسهام دولة الإمارات في المعرفة البشرية في عصرنا هذا وفي المستقبل، وتنمية التعاون الدولي لتحسين جودة الحياة على كوكب الأرض، والاستفادة من الذي يتواجد من خيرات على الكواكب الأخرى.
إن مثل هذه الطموحات ليست سهلة أو متيسرة، لذلك فإن قيادة دولة الإمارات ارتأت أن تكون لبلادها وشعبها الريادة فيها، من خلال بذل كافة الجهود الخلاقة لتحقيقها ووضعها كحقائق ماثلة على أرض الواقع.
وبالتأكيد أن من شأن ذلك أن يرسخ مكانة الدولة منارة للرقي والتقدم العلمي. أما بالنسبة للعرب جميعاً، فإنه على ضوء ما تعيشه العديد من الدول العربية من تراجع على صعد المعرفة العلمية، فإن ما تقوم به الإمارات على صعيد استكشاف كوكب المريخ يشكل أملاً لجميع العرب، فقضية المعرفة العلمية لدى الإمارات تطرح حلاً عاجلاً ينير الطريق أمام الشعوب العربية الأخرى، ويضعها أمام حقيقة أنه لا يوجد مستحيل أمام قدرة الإنسان العربي لمواجهة حقائق العصر الذي يعيش فيه، بل إن عليها كشعوب أن تواجه ما يقف أمامها بكل شجاعة إذا أرادت الخروج من مآزقها الحالية، فهذا هو قدرها وإنْ طال الزمن.
ما تقوم به الإمارات حالياً، وما هو مخطط القيام به على المدى القصير والمتوسط والبعيد على الصعيد العلمي ممثل في «مسبار الأمل» واستكشاف المريخ هو التعامل مع تكنولوجيا متقدمة جداً، وهذه نقلة نوعية كبرى لم يعهدها العرب من قبل أو يتعودوا عليها، فالعرب إلى هذه اللحظة لا ينتجون التكنولوجيا المتقدمة على أي صعيد كان، إنما هم مستهلكون بارعون لها.
وهنا، فإن من الثابت أنه كلما زادت المعرفة العلمية والتكنولوجية زادت حدة الاختلافات التي تتصل بين مناظير منتجيها ومناظير مجرد المستهلكين بنهم لها.
وعليه فإن المناظير الحالية والمستقبلية لدولة الإمارات على صعيد المعرفة العلمية والتكنولوجية هي في تقديري الوسيلة المثلى للخلاص العربي من التخلف العلمي والتكنولوجي، ومن الاعتماد على ما ينتجه الآخرون شرقاً وغرباً، ونقوم نحن بمجرد استهلاكه لا غير.
وربما أن «مسبار الأمل» هو البداية أو الخطوة الأولى على هذا الطريق، لكن القادم أفضل، بإذن الله، وتوفيقه.
تهنئتي لقيادة دولة الإمارات وشعبها من القلب بهذا النجاح الباهر، ودائماً عمار يا وطني الغالي.
* كاتب إماراتي