بدأ عهد الرئيس جو بايدن، مع«أسوأ» أداء اقتصادي، لم تشهد الولايات المتحدة مثيلاً له منذ الحرب العالمية الثانية، حيث سجل العام الماضي انكماشاً بأقسى وتيرة (3.5%) نتيجة جائحة «كوفيد-19» التي عصفت بأنشطة مختلف القطاعات، ليفقد ملايين الأميركيين وظائفهم ويقعوا في براثن الفقر. وسجلت سوق العمل أضخم معدل بطالة (10%)، وبلغ عدد الذين يتقاضون مخصصات البطالة 18.3 مليون أميركي في يناير الماضي. حتى أن الناتج المحلي الإجمالي فقد زخم التعافي من الجائحة، في ظل تجدد تنامي الإصابات، وانقضاء مساعدات من الحكومة بنحو 3 تريليونات دولار. وإذا كان بعض الاقتصاديين يتوقع مزيداً من التباطؤ في الربع الأول من العام الحالي، قبل العودة للتسارع في الصيف المقبل، مع تبني تحفيز إضافي، فإن رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يرى أن الاقتصاد الأميركي بعيد جداً عن بلوغ سوق عمل «متينة»، وأن تجربة فترات الركود السابقة تشير إلى أن التعافي قد يستغرق سنوات عدة. 
وكان الأميركيون قد ودّعوا عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بـ«أسوأ» سنة مالية في تاريخ الولايات المتحدة، حيث قدر العجز في سبتمبر الماضي (نهاية السنة المالية) بـ3.13 تريليون دولار، بما يشكل 15.2% من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب الفجوة بين ما أنفقته الحكومة نحو 6.55 تريليون دولار)، وما حصلت عليه (حوالي 3.42 تريليون دولار). ويعادل هذا العجز أكثر من 3 أضعاف ما كان عليه عام 2019، وهو أعلى مستوى له منذ الحرب العالمية الثانية. الأمر الذي يعكس ضخامة الإنفاق الحكومي لمواجهة التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا. تضاف إليها حزمة مساعدات جديدة بقيمة 900 مليار دولار، أقرها الكونغرس في 21 ديسمبر لمساعدة المتضررين من الكارثة. 
والأخطر من ذلك، أن العجز استمر خلال الفترة بين أكتوبر 2020 ويناير 2021، مرتفعاً بنسبة 89% إلى 736مليار دولار، إذ صعدت الإيرادات واحداً في المئة إلى 1.19 تريليون دولار، بينما قفز الإنفاق 23% إلى 1.92 تريليون دولار. ولمواجهة أزمة السيولة المالية وتلبية زيادة الإنفاق، اقترح الرئيس بايدن خطة تحفيز جديدة بقيمة 1.9 تريليون دولار. وعلى رغم من أنها حاجة ملحة، فهي تواجه معارضة لدى الكثير من المشرعين «الجمهوريين»، وكأنهم استفاقوا بشكل مفاجئ للحديث عن العقيدة المالية التي يتخلون عنها بشكل سافر كلما سيطر حزبهم على البيت الأبيض. 
مع العلم أنه باستثناء فترتي الكساد الاقتصادي الكبير والحرب العالمية الثانية، فإن التخفيضات الضريبية الهائلة التي منحها الحزب الجمهوري لأصحاب المليارات والشركات في عام 2017، أدت إلى أعلى عجز مالي في تاريخ الولايات المتحدة، من دون أن تتحقق وعود رفع مستويات الاستثمار والنمو. حتى أن الحكومة الأميركية اقترضت في العام الماضي نحو 4.2 تريليون دولار، ما أدى إلى رفع الدين القومي إلى أكثر من 27 تريليون دولار، في وقت تشهد فيه الاستثمارات الدولية تراجعاً في سندات الخزينة التي بلغت في نوفمبر الماضي نحو 7.068 تريليون دولار. ومن الطبيعي أن يرتبط تطورها سلباً أم إيجاباً، مع طبيعة علاقات واشنطن مع الدول المكتتبة فيها، وخصوصاً الصين التي تأتي في المرتبة الثانية بعد اليابان، وحصتها 1.074 تريليون دولار، وهي تهدد بتخفيضها تدريجياً في ظل تدهور العلاقات بين البلدين.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية