لم يكن يوم التاسع من شهر فبراير الجاري يوماً عادياً في تاريخ الإمارات والمنطقة العربية، فقد كان يوماً تاريخياً يعلن بداية مرحلة جديدة دخلت معها المنطقة عصر الفضاء، تماماً، كما هو الحال عندما وضع الاتحاد السوفييتي أول قمر صناعي للعالم في الفضاء منتصف الخمسينيات، وأرسل بعد سنوات قليلة «يوري غاغارين» في بداية الستينيات من القرن الماضي، كأول رائد فضاء في تاريخ البشرية. السؤال هنا، ماذا ترتب على ذلك من مكاسب تكنولوجية وعلمية واقتصادية؟ نقلت العالم إلى عصر الفضاء والتكنولوجيا والاتصالات المتقدمة التي غيرت وجه الحياة على كوكب الأرض. في مثل هذه الحالات يطرح من جديد التساؤل الخاص بالمكاسب، كما هو الحال مع «مسبار الأمل» الإماراتي.
كالعادة حاول العاجزون من القوى الدينية واليسارية التائهة والدول الداعمة لهما تشويه هذا الإنجاز لسبب بسيط وهو تبرير عجزهم وفشلهم في الإدارة والاقتصاد، فالدول التي يحكمها الإسلام السياسي تعاني شعوبها من الفقر والجوع. أما الأنظمة اليسارية في العالم، فقد سقطت، كأحجار الدومينو الواحدة تلو الأخرى مخلفة دماراً اقتصادياً شاملاً وشعوباً فقيرة، رغم الغنى الفاحش لبعض هذه البلدان.
لنعُدْ الآن للإنجاز الإماراتي والعربي ذي الأبعاد المستقبلية الواعدة للتنمية والتقدم، إذ يطرح العاجزون ضمن أمور أخرى سؤالاً يتعلق بتكلفة مشروع «مسبار الأمل»، البالغة وفق تصورهم 200 مليون دولار ويعتبرون بسبب الجهل أن ذلك استثمار دون جدوى! والحقيقة أن مشكلة دولة الإمارات ودول مجلس التعاون مع كافة أشكال المنتقدين، مسألة غير مفهومة، ففي الوقت الذي ينتقدون فيه ويطالبون بزيادة حصة البحث العلمي والابتكارات، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، فانهم في الوقت نفسه ينتقدون متى ما تمت زيادة هذه النسبة، كما هو الحال في الاستثمار المستقبلي المهم لـ«مسبار» الأمل، وكأن الانتقاد أصبح هواية للعاجزين.
والآن لنوضح قيمة الاستثمار البالغة 200 مليون دولار، وماذا تمخض عنها من مكاسب مهمة، إذ يأتي إعداد وتأهيل 200 مهندس ومهندسة من أبناء وبنات الإمارات في مقدمة هذه الإنجازات، فهذه ثروة وطنية لا تقدر بثمن، وإذا افترضنا أن كل مهندس كلف مليون دولار، فإنها تكلفة تستحق الاستثمار، وذلك إذا عرفنا أن قيمية طائرة شبح واحدة من التي تمتلكها الولايات المتحدة تبلغ قيمتها 500 مليون دولار، هذا ناهيك عن البنى التحتية البشرية والمادية التي تم تأسيسها في الدولة، ويتم تطويرها وتسخيرها لخدمة التنمية الاقتصادية والتكنولوجية.
أما حجم المعلومات والبيانات التي سيجمعها «المسبار»، فإنها ستقدم خدمة كبيرة ليس لدولة الإمارات، باعتبارها خامس دولة تصل إلى المريخ، وإنما إلى كافة البلدان التي يمكنها أن تستفيد من هذه المعلومات، خصوصاً وأن الإمارات أعلنت عزمها توفير هذه البيانات للجميع، حيث يُتوقع أن يجمع «المسبار» أكثر من 1000 غيغابايت من البيانات الجديدة، التي تعرف لأول مرة، إذ يعتبر ذلك ذخيرة علمية وأسساً قوية للاقتصادات الحديثة، التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي المبنية على البيانات العلمية.
لهذه الأسباب التي أوردناها بصورة مختصرة جداً، رحب العالم المتقدم بهذه الخطوة، والتي يعرف جيداً قيمتها المستقبلية الواعدة، حيث يمكن إيراد بعض التصريحات المهنية المحايدة، فرئيس المركز الفرنسي للفضاء «جان إيف لوغال» قال «الرحلة الاستكشافية العربية الأولى التي قادتها الإمارات تضعها ضمن الكبار في عالم الفضاء وعلومه، مضيفاً أن المسبار الإماراتي سيثري معرفتنا العلمية، لأنه سيكون المدخل لنا لنتعرف من خلال المريخ على كوكب الأرض بسبب التشابه بينهما».
أما «توماس زوربوشن» مدير مشارك في إدارة الفضاء العالمية بوكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، فقد غرّد قائلاً: «إن مغامرتكم الجريئة لاستكشاف الكوكب الأحمر ستكون مصدر إلهام للآخرين من أجل الوصول إلى النجوم، نأمل أن ننضم إليكم في المريخ بواسطة المركبة الأميركية بيرسفيرنس». ختاماً: قال سفير المملكة المتحدة في الإمارات «باتريك مودي»: أقدم التهاني لك يا إمارات! لقد أظهرتِ للعالم ما يمكن إنجازه بالمعرفة والرؤية والالتزام. هذه ثلاث شهادات مهنية لدول عظمى تشكل أوسمة فخر لهذا الإنجاز العلمي والتكنولوجي المميز. 
*مستشار وخبير اقتصادي