أُعدم سيد قطب شنقاً عام 1966 في سجن الاستئناف، ولم يشهد جنازته أحدٌ من الناس، وغير معروف حتى الآن موضع قبره. أما طه حسين، فقد توفي عام 1973 وهو إلى جانب زوجته، وشيّع نحو خمسين ألف شخص جنازتَه من داخل حرم جامعة القاهرة، يتقدمهم نائب رئيس الجمهورية، ثم انطلقت الحشود تحمل جثمانه إلى مثواه الأخير بمقابر البساتين.
وتبدو المعركة الفكرية بين الرجلين اللّذين مثّلا تيارين مختلفين محسومة لصالح مَن عاش ومات معززاً مكرماً، لكن الكاتب مأمون فندي يرى في مقالة له نُشرت مؤخراً أن كتاب «معالم في الطريق» لمؤلفه سيد قطب فاز على كتاب «مستقبل الثقافة في مصر» لمؤلفه طه حسين.
هذه كانت نتيجة المعركة التي احتدمت في مصر منذ الخمسينيات بين التيار التنويري الذي مثّله عميد الأدب العربي ووزير المعارف الدكتور طه حسين، وبين تيار جماعة «الإخوان المسلمين» الذي كان سيد قطب رمزه الفكري الأوحد. ولم تكن الغلبة لهذا التيار لمزايا ذاتية في مشروع «الإخوان»، وإنما لأن الدولة المصرية انحازت لكتابات سيد قطب على حساب كتابات طه حسين، واستمر الحال على ما هو عليه في عهد السادات. 
وظهرت نتيجة ذلك الانحياز في عهد مبارك، كما يقول فندي، فقد «عانت مصر في تسعينيات القرن الماضي من جراء معركة طاحنة بين النظام وقوى التطرف، وتكبَّدت الدولة خسائر عظيمة، ورغم ذلك، فشلت دولة مبارك في الانحياز الكامل للتنوير، ومسكت العصا من المنتصف، في إطارٍ أصبحت فيه الدولة ذاتها تزايد على الإسلاميين في مظاهر التدين.. وبالتالي خسرت الدولة والمجتمع أمام تيار التخلف». 
إذن الذي يحسم قرار اتخاذ طريق التنوير أو التخلف هو الدولة، على الأقل في العالم العربي حيث مؤسسات المجتمع المدني هشّة وعاجزة، وهذه أطروحة مأمون فندي في مقالته تلك، والتي يدعو فيها إلى «انحياز الدولة الواضح للتنوير، وانحيازها الواضح الذي لا مواربة فيه ضد التخلف والتيارات الظلامية»، فهذا الانحياز «هو الذي يقلب كفة ميزان التغيير». 
لقد مرّ أكثر من قرن على ظهور مفكرين وكتاب عرب سعوا إلى نشر التنوير في البلاد العربية، ودرسوا أسباب التقدم الأوروبي والتخلف العربي والإسلامي، لكن الحصيلة على مستوى الأفكار في المجتمعات العربية لا تُذكر، فما تزال الهيمنة لأفكار دولة الخلافة، والمواطنة على أساس الدين، وعدم الاعتراف بحقوق الأقليات، وبدور المرأة، وبدور العلم، وبحقوق الإنسان. 
ومع ذلك، الانحياز لا يجب أن يكون بـ«العمياني»، إذ التنوير يختلط أحياناً بالتغريب، و«عدم التفرقة بين التغريب والتنوير يجعل أفكار التنوير غريبة عن البيئة التي يراد إخراجها من الظلام، ومن هنا تنشأ حركة مقاومة طبيعية من الجماهير»، كما يؤكد الكاتب أحمد عبدربه، والذي يدعو في سبيل الخروج من هذا المأزق إلى بذل جهد فكري لبث روح التنوير في قالب شرقي مناسب للبيئة العربية. 
انحياز الدولة للتنوير ليس حباً في تيار ولا كراهية في تيار، بل لأن التنوير، كما يقول الكاتب عمران سلمان، «هو ببساطة الانتماء إلى روح العصر، وهو مقدمة لا بد منها للنهوض بهذه المجتمعات نحو التحضر والتمدن».

*كاتب إماراتي