الحديث عن رسالة الإعلام ووسائله الحديثة في التواصل، خاصة في زمن الأزمات الإنسانية والكوارث الطبيعية، يجرنا إلى النظر بإمعان وتأمل طبيعة العصر الذي نعيش فيه، ونقصد بطبيعة الحال عصر أو زمن ما بعد العولمة- إذ يكفينا التنبيه إلى أن التنافس المميز للعولمة لا يمكن أن يخرج عن الانطلاق من العلم والمعرفة والتكنولوجيا ـ ما دمنا بصدد الحديث عن دور الإعلام ـ، ويكفينا كذلك تأمل ما جاءت به ثورة تكنولوجيا الإعلام والاتصال والتحولات المؤسساتية المصاحبة لها من معتقدات جديدة، أريد لها أن تكون «عقيدة» نهاية التاريخ وميلاد عهد جديد يؤسس لنظام جديد «نظام ما بعد كورونا»: عقيدة ما بعد العولمة والمجتمع الإعلامي الكوكبي، ومجتمع الإعلام والاتصال ومجتمع المعرفة. ولعلنا لا نبالغ البتة لو أكدنا على أن الضحايا الجدد للمستجدات العلمية، ومنها الإعلامية، تلك التي يشهدها العالم، سيكونون الذين لم يعوا بعد فلسفة هذا النظام المتشكل وغير المستقر، أو الذين لا يملكون القدرة على رفع تحديات الوضع الجديد والمقبل، وفي مقدمة هؤلاء الضحايا ستكون دول العالم الثالث، لا سيما وقد فقدت مؤسسات السبعينيات قدرتها التجنيدية، وجل طروحاتها التي مأسست للمركز في العلاقات الإعلامية الدولية، إنْ لم يكن على مستوى الممارسة، فعلى الأقل على مستوى الخطاب، كما يشير إلى ذلك الباحث المغربي المختص في علوم الإعلام والاتصال الدكتور يحيى اليحياوي. 
إن للإعلام ووسائل الاتصال الحديث دوراً محورياً في تأصيل مبادئ الحوار البنّاء بين أتباع الديانات السماوية والفلسفات الوضعية بتقليص دائرة الخلاف والنزاع وتقريب وجهات النظر في مجابهة دعوات التطرف والكراهية، والتخلي عن دور«الشيطان الأخرس» الذي يخاف قول كلمة الحق وكشف أباطيل خطابات التجييش للعنف والإرهاب، ويسعى لطلب السلامة وأسلوب النعامة، وعدم السماح لمثيري الفتن باستغلال الوسائل الإعلامية للترويج لدعواتهم، ذلك أن اليوم وبعد ثورة الاتصالات، ولا سيما في حقل الانترنت لم يعد التقصير والقصور مقتصرين على القمة، بل إن مسؤولية الشارع والمنظمات الأهلية كأفراد ومجتمعات أصبحت كبيرة ومباشرة للاتصال بالعالم والغرب (والرأي العام) بالذات، بإبداء رأيها وفتح باب الحوار عن طريق هذا الجهاز، الذي يمكن أن تصل رسائله الداعية للسلم والخير إلى كل الناس في جميع أنحاء العالم ومن القيادات والنواب ورجال الأعمال إلى المواطنين العاديين. 
الإعلام في مقدمة الوسائل المهمة لغرس قيم الاحترام المتبادل بين الحضارات والثقافات في نفوس الأفراد والجماعات‏، والإعلام في هذا المقام هو الإعلام المسموع والمقروء والمرئي‏، وكل ما استجد من تطورات في وسائل الاتصالات والمعلومات‏، على اعتبار أن الوسائل الإعلامية الحديثة قد ألغت الزمان والمكان، وأصبحت تصل بما تحمله من معلومات إلي كل مكان في العالم‏، وفي اللحظة ذاتها التي يحدث فيها الحدث‏، ومن هنا فإن لهذه الوسائل تأثيراً بالغ الأهمية وعميق الأثر على قطاعات عريضة من شعوب العالم‏.‏ وهذه معطيات لم يعد مجدياً التشكيك فيها أو الهروب من مواجهة تبعاتها، بقدر ما أصبح ملحاً استغلالها من قبل المسؤولين، مع استحضار أسبقية الإرادة الحقيقية، وما إن كانت تهدف إلى تشجيع الحوار أو زرع بذور الصدام.

ولوسائل الإعلام دور أساسي في نقل نتائج الحوار بين أتباع الأديان والثقافات إلى الشارع ودمجه في الثقافة العامة، فيتأثر بذلك المجتمع، فيصير جزءاً من تصرفاته وتكوينه، أي أن الإعلام هو نافذة الوسط الثقافي للمجتمعات والأجيال والشعوب، فالإعلاميون من يجب أن يساهموا في تشكيل رأي عام واع وقادر على استيعاب ظروف المرحلة الراهنة وحيثياتها، وأن أي خروج عن التقليد التراثي والعرف العام بالحجج «المقاصدية» المؤدلجة أو «التنويرية» المسيبة قد يهدد مقومات الشخصية الوطنية.

فبالرغم من الاختلاف الملحوظ بين الأديان وعقائدها، فالرسالة الحضارية للإعلام أن تبرز المشترك الإنساني بين بني البشر كبير جداً.. ساحة المشترك كبيرة، مما يوجب على العقلاء من كل طائفة إطفاء نار الحرائق المسببة من مختطفي الأديان، وصدق الله العظيم إذ يقول «فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض، إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا مآ أترفوا فيه وكانوا مجرمين».