في معجم الأدبيات السياسية فإن كل مصطلح يقابله مصطلح آخر أو أكثر معاكس له في المعنى، وتعرف تلك المعاني لغوياً بالأضداد، فالصراع يقابله الأمان والتوافق والوئام، أما النزاع فمن مرادفاته الأزمة والبغضاء والتوتر والخصومة والخلاف والشقاق والعداء ومن أضداده: الإخاء والاطمئنان والانسجام والتآلف والتراضي والتناغم والسكينة والصداقة والسلام.
الصراع الدولي، ليس حدثاً جديداً، فمنذ آلاف السنين، ترزح الأرض تحت جنون الصراعات والحروب والنزاعات على المستويات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية والدينية وغيرها، ومنذ ما قبل الحضارات القديمة كالإغريقية والرومانية وحتى يومنا هذا، ما زالت الصراعات تفتك بالإنسانية، وتحطم ما يحاول الحكماء والعقلاء والمبدعون بناءه لإيجاد مكان آمن هادئ مستقر، تنهض فيه الشعوب بالعلم والمعرفة والتطور ولما فيه خير للإنسانية جمعاء.
يقول عالم السياسة «كارل دويتش» إن «الصراع هو وجود أنشطة حادثة أو أفعال جارية، تتعارض مع بعضها البعض، وهو النشاط الذي لا يتفق مع واحد آخر، وهو الذي يمنع أو يعرقل حدوث أو فعالية النشاط الثاني». ويحدد «دويتش» في كتابه مع آخرين «المجتمع السياسي ومنطقة شمال الأطلسي: المنظمة الدولية في ظل التجربة التاريخية»، مفهوم المجتمع الأمني بأنه «منطقة محددة يكون استخدام العنف فيها غير وارد»، أي تخلو من الصراع، ويقول إن «المجتمع الأمني هم مجموعة من الناس قد توصلوا إلى معاهدة أن المشاكل المشتركة يمكن حلها، ولابد من حلها بطرق التغيير السلمي، ومن خلال إجراءات، ملتزمين بروح الفريق والثقة المتبادلة والمصالح المشتركة بينهم».
الصراع في منطقة الشرق الأوسط أيضاً هو صراع دولي بامتياز، فمن ناحية هناك الصراع العرقي والسياسي والاقتصادي، الذي أشعلته وتؤججه كل من تركيا وإيران تجاه الدول العربية، وهناك صراع القوى الدولية كأميركا وروسيا على مناطق ودول في الشرق الأوسط وصراعهم على توثيق تحالفات سياسية وعسكرية واقتصادية مع دول أخرى، إضافة إلى الصراعات الأيديولوجية التي تثيرها الجماعات الإرهابية ورعاة الفكر المتطرف، والتي أنتجت «الإخوان» و«داعش» وغيرها من الحركات الإرهابية.
التوتر والأزمات والنزاعات والصراعات التي تبدأها تركيا وإيران في منطقة الشرق الأوسط، تجتمع فيها الاتجاهات الكاملة النظرية لظاهرة الصراع الدولي مثل النزعة العدوانية، كغريزة حب التسلط والسيطرة ودافع الانتقام والتوسع لدى قيادات هاتين الدولتين، حسب نظرية سيجموند فرويد، ومشاعر الأنانية والغباء وسوء توجيه النزعات كما يراها عالم السياسة الأميركي «كينث والتز»، وكذلك اتجاه الإحباط الرسمي والشعبي في كل من تركيا وإيران، حسب نظرية «أريك فررم» و«فلوجل»، الذي يرى أن «شعور الإحباط الناتج عن الصدمة يؤدي إلى العنف والميل للتدمير»، إضافة إلى الشخصية والمعتقدات القومية، الذي دفع بكل من إيران وتركيا إلى نهج السيكولوجية القومية العدوانية، أو ما يمكن تسميته بـ«الطابع العدواني القومي». 
المراقبون لفعاليات منتدى فيليا 2021، أو «منتدى الصداقة» الذي عقد نهاية الأسبوع الماضي في العاصمة اليونانية أثينا، بمشاركة وزراء خارجية كل من الإمارات والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية وجمهورية اليونان وجمهورية قبرص وجمهورية فرنسا، رصدوا بوضوح بالغ الرسالة العميقة التي حملها المنتدى لوقف الصراع في إقليم الشرق الأوسط ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، فقالت الإمارات كلمتها التي تعبر عن رؤيتها الإستراتيجية أن «دولة الإمارات ترفض التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول، وتؤكد أهمية احترام سيادة القانون والالتزام بالمواثيق الدولية، وأمن واستقرار منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط والمنطقة العربية»، وأنه «في ظل تزايد حجم التحديات والأزمات التي تواجه المنطقتين، يتطلب منَّا عملاً جماعياً جاداً، ‏وزيادة في التعاون والتنسيق والتعامل معها بعقلانية وحكمة واتزان، لإرساء أسس التنمية والأمن والاستقرار والسلام، بما يحقق آمال وتطلعات شعوبنا».
هذه هي الأهداف السامية التي تسعى الإمارات لنشرها مكان الصراع والنزاع والتوتر، فالإمارات دولة محبة للسلام تواصل مساعيها الرامية لنشر ثقافة التسامح والاعتدال والتعايش بين الشعوب، وتغليب لغة الحوار والعقل فيما بينها، وأن التنسيق المشترك بين دول «منتدى فيليا 2021»، يؤكد وجود الإرادة السياسية المشتركة لتجاوز التحديات الموجودة على الساحتين الإقليمية والدولية بشكل فعال وإيجابي.
يرى المحللون أن دعوة وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، في ختام المنتدى إلى أن «طموح اليونان هو أن تصبح جسراً بين شرق البحر المتوسط والخليج والبلقان وأوروبا»، هي دعوة سلام تعزز الروابط بين الشرق والغرب، وستكون حجر الأساس في بناء ذلك الجسر الذي لن يحتاج المرور عبر تركيا الغارقة في الصراعات والأزمات والحروب.