عندما دفع «جاك دورسي» عام 2006 موقع «تويتر» لينتشر بين الناس، محدِّداً 280 حرفاً للتغريدة الواحدة، استنكر كثيرون هذا الشرط ورأوا فيه أمراً تعجيزياً. لكن بمرور الوقت غدا الاستخدام سهلاً ومألوفاً. تدرّب الناس على الاختصار والتكثيف وتخلّصوا من مثالب الإسهاب والإطناب القديم. لم يفكر أحد وقتذاك بأن هذه العملية هي إحدى الخطوات الضرورية للإنسان التي سوف تؤهله لدخول عصر الثورة الصناعية الرابعة. المفكر «تشارلز سنو» في عام 1959 أبدى امتعاضه من كل الكتّاب المهتمين بالفنون والأدب في الساحة الثقافية، لجهلهم بفحوى القانون الثاني للديناميكا الحرارية. إشارة «سنو» تلك رغم أنها استقبلت وقتذاك باستنكار كبير، فإنها أكدت على أن العلوم كلٌ متكامل يصب في منهل واحد، وإن افترقت في بعض النقاط، وهذا ما نلمسه في الثورة الصناعية الرابعة. لكن، ما غاية الثورة الصناعية الرابعة؟ للوقوف على تعريف جامع مانع لها، تجدر العودة إلى كتاب «الثورة الصناعية الرابعة» لمؤلفه البروفيسور «كلاوس شواب» رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي وضع مقدمته صاحب السمو محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حيث نقرأ: «إنها الثورة التي ستدمج بين المجالات الرقمية والفيزيائية والبيولوجية بالاستفادة من التقنيات المختلفة، لخلق تجارب تسهّل حياة البشر». ومن المتوقع أن تكون لهذه الثورة تأثيرات على حياة الناس، بما في ذلك تأثيرها على الكتابة السردية في الحقول التخييلية (Fiction) وغير التخييلية (Non-fiction) وكذلك الأنساق الثقافية، مما يُرتِّب على الكاتب نظرةً جديدةً.. فما شروط الكتابة في ظل الثورة الصناعية هذه؟ 
من أهم ميزات الكتابة وملامحها في هذا العصر الذي نشهد طلائعه، أولاً: الأفكار البسيطة والنظرة العلميّة الدقيقة، ما يوجب على الكاتب التأمل في كتابته وأسلوبه، علّه يستطيع التخلص من التقليدية التي درج عليها، لا سيما في البيئة العربية. ثانياً: أن تكون الكتابة محكومة بسياقات خوارزمية صارمة، أي الاقتصاد في اللغة، والابتعاد عن المقاربات المنهكة بالحمولات النحويّة (Syntactic) والبلاغيّة (Rhetoric) التي تستطيبها الذائقة العربية. ولن يكون مستغرباً أن يفد أشخاص من المجالات الهندسية والتقنية الرقمية والذكاء الاصطناعي ليصبحوا كتّاباً بارعين. ثالثاً: أن تتضمن الكتابة عبارات مكثفة مباشرة تسعى لبلوغ عقل القارئ دون تضليل أو توسل أو غواية. على أن يبقى الشغف في كافة العصور الرافعة الجوهرية لفعل الكتابة.