قال لي صديق: (سبق لك وأن كتبت حول العلاقة الملتبسة بين الإسلام والغرب، كما أشرت إلى جهود الإمارات برعايتها وثيقة الأخوة الإنسانية، في حين أنك لم تلتفت إلى جهود أولئك الذين يحاولون الدفع نحو تبرئة الإسلام ممن أساؤوا إليه وأضروا بالمسلمين). مشيراً إلى الجهود الفردية التي تسعى إلى مد جسور الثقة بين المسلمين والأطراف الأخرى التي تخشاهم بسبب العنف الذي يمارسه المتطرفون.
من دون أدنى شك يوجد العشرات من المفكرين والباحثين الغربيين الذين اجتهدوا في البحث وفي الكتابة عن «الإسلام»، وسعوا ويسعون من خلال دراساتهم وكتبهم ومحاضراتهم إلى إيضاح جوهر المشكلة التي تأسست على مدار قرون، وإلى طرح وجهات نظرهم بشأن الممارسات التي ينتهجها المتطرفون من المسلمين، تلك التي أسهمت في الماضي في تشويه صورة الإسلام كدين، وما تزال – وبسبب المتطرفين الجدد – تعمل على تشويه قيمه وتعاليمه.
المفكرون الغربيون الذين انتصروا للإسلام، تبحروا في دراسة تاريخه بدءاً مما كان عليه المسلمون في زمن النبي الأمين والخلفاء الراشدين، ثم الأسباب التي أدت إلى ظهور الطوائف والفِرق والمِلل والنِّحل فيه منذ أول عهد للانشقاقات، والصراعات التي نشبت بين الخلفاء بعضهم بعضاً ومن ثم السلاطين باسم الدين، وقتلهم أو معاقبتهم للناس باسم الغيرة على الدين، إضافة إلى دراسة الحركات الأصولية ومغالاة منظّريها في تفسير وتطبيق الشريعة، والأسباب التي قادت إلى «الإسلاموفوبيا». وكثيرة هي المراجع الغربية المتوازنة التي لم تُحمّل الإسلام المسؤولية عن الصراعات التي نشبت بين المسلمين أنفسهم، وبين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى، لا بل إن بعض هؤلاء المفكرين وغيرهم من فلاسفة وعلماء وسياسيين وحتى فنانين أسلموا بالفعل ليؤكدوا وبشكل غير مباشر أن المشكلة ليست في الإسلام كدين ونهج إنما في الشدة في تطبيقه والابتعاد عن أخلاقياته ومكارم أخلاقه.
إن الفئة القليلة التي غالت وتغالي في أفكارها ومنهجها لديها أجندة سياسية، ولتنفيذ أهدافها فهي تختبئ خلف الدين، وترتكب باسمه عمليات إرهابية ضد كل من يخالفها وفي بقاع مختلفة من العالم، وهو ما جعل الآخرين يخشونهم ويخشون دينهم «الإسلام»، وهو بالطبع حكم جائر، لأن المنطق يقول إنه ليس من المعقول أن ملياراً وتسعمائة مليون مسلم - حسب آخر تعداد لهم في عام 2020 - مسؤولون عن تلك الجرائم، وبالتالي عن الهوة التي تشكّلت بين الغرب والإسلام، وعن فقدان الثقة بين الطرفين.
على المقلب الآخر علينا أن نرى المشهد كاملاً، فبعض ملّاك الإعلام وصناع الدراما والسينما والمتشددين في الغرب كانوا وما يزالون أيضاً يسهمون في تعميق تلك الهوة، فيعملوا باستمرار على شيطنة الإسلام والمسلمين، لدرجة أن أصواتهم باتت أعلى من أصوات المفكرين والباحثين الغربيين الذي ينادون بضرورة تنحية الكراهية جانباً والتفكير بعقلانية تجاه الإسلام كدين، وتجاه المسلمين كأفراد أغلبهم أبرياء.
إن العلاقة بين الغرب والشرق قد تكون مشوّهة في جوانب منها، لكنها أيضاً مضيئة في جوانب سواها، فنحن تقدمنا ونتقدم معاً، واستفدنا ونستفيد من علوم بعضنا، لا بل ونبني عليها. والأمم ترتقي ويعلو شأنها حينما تنفتح المجتمعات على بعضها البعض في جميع مناحي الحياة، وبالتالي لا بد من استكمال حركة التنوير عبر الترجمة المتبادلة بين العربية وغيرها من اللغات، كما لا بد أن يخاطب الإعلام العابر للقارات العقل والضمير بلغة الإنسانية، والتأسيس لنهج تربوي ينبذ العنف والتطرف والتمييز، وغير ذلك فإن الجهل سيستمر في إعماء البصائر والأبصار.