تحاول الآراء السياسية المتعددة، تصوير فوز إيران بأي محادثات ستجرى مع الطرف الأميركي، انطلاقاً من مخاوف كثيرة أهمها أن الفريق الأميركي الجديد لم يأت ليحارب، بل جاء ليهدم كل ما بنته الإدارة الأميركية السابقة، وأن سياسته العامة المعلنة هي الدبلوماسية وليس صوت الرصاص.
هذه الآراء تحسب أيضاً مدى رضا شركاء أميركا في منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص دول الخليج وإسرائيل، وتقول بأن أميركا غير قادرة على المضي في تنفيذ تلك السياسة، دون تقديم ضمانات كافية للشركاء تكفل المباحثات المتوقعة، أو على الأقل، أن تكون مباحثات مشتركة، يلتقي فيها الجميع، إضافة إلى إيران، لمناقشة مستقبل المنطقة أولاً، ومعرفة ما ستقدمه إيران من أفكار للتراجع نحو خطوط التماس، خاصة في اليمن، ثم في العراق وسوريا ولبنان، وتخفيض التصعيد إلى أقصى درجة ممكنة، والذي قد يمهد الطريق، لفتح ملف النقاش في عودة أميركا للاتفاق النووي، بوجود الشركاء أنفسهم كلاعبين أو مراقبين.
انتظار الانتخابات الإيرانية، للكشف عن هوية الإدارة الإيرانية الجديدة، ليس أكثر من ورقة لجس النبض الأميركي واختبار صبر الشركاء في المنطقة، وليس هناك حل أفضل من الدفع لوجود مباحثات أولية على مستويات استراتيجية في الجوانب الأمنية والعسكرية يمكنها المساهمة في تقريب وجهات النظر، بطريقة أو بأخرى، حول ماهية المبادرات التي ستقدمها إيران بشأن بعض الموضوعات العالقة مثل تهديد «الحوثيين» و«حزب الله» لأمن المنطقة، وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وغيرها من الموضوعات ذات البعد الأمني.
الدبلوماسية الأميركية ليست شيئاً سيئاً، على العكس، فمعظم الشركاء ضد الحرب، ولكنهم أيضاً ضد التصعيد الإيراني على كافة الجبهات، وكما يرى معظم المحللين السياسيين والعسكريين، فإن وجود تفاهمات أولية، سيساهم بشكل فعال في وضع خارطة طريق أكثر دقة ستوضح المعالم والتفاصيل على حد سواء، دون النظر إلى من سيفوز بقدر التأكد من سلامة النيات التي باتت المعادلة الأصعب، خلال السنوات العشر الأخيرة.
لن تسمح الولايات المتحدة الأميركية أن توصف بالضعيفة، لذلك ستسعى وضمن استراتيجيتها لإيجاد آلية لحفظ التوازن الذي يمنع الحرب من جهة ويمنع أيضاً سقوطها في الفخ الإيراني المعروف والمتداول في الشعارات المتناثرة هنا وهناك وهو إيهام الجميع أنها قادرة على «سحق أميركا»، لذلك قد تلجأ الإدارة الأميركية قريباً إلى فتح قنوات عقلانية مع النظام الإيراني، يمكنها إقناع الإيرانيين، بأنه لا جدوى من استعراض العضلات الفارغ، وأن الوقت قد حان لحسم هذا النزاع، وأن المراهنة على الأطراف الذين يحاولون الضغط على الأميركيين للعودة غير المشروطة للاتفاق النووي، هي مراهنة خاسرة، فلا يعني أنك دبلوماسي أنك ضعيف.
إذا كان الأميركيون لا يؤيدون وجهة النظر هذه، أي لا يريدون فتح قنوات ولا مباحثات أولية، ولا جلوس الجميع على طاولة واحدة، أو أن إيران لا تريد ذلك، وأن رأس النظام هناك لن يبدل سياسته تحت أي ظرف، وسيبقى يعاند ويصارع لإثبات وجهة نظره القائمة على فلسفة عقيمة تعفنت ، ولا تدرك العوامل الوحيدة المتوفرة حالياً، وهي خيار السلام الذي يمضي بقوة كاسحة في الشرق الأوسط، فإن الاحتمالات المتوقعة هي بقاء الأمر على ما هو عليه لأربع سنوات أخرى، وليس لانتهاء الانتخابات الإيرانية، وسيكون هذا مُنهكاً لإيران على وجه التحديد، ولأمن المنطقة أيضاً، وسيكون عبئاً ثقيلاً على الكاهل الأميركي، وهناك احتمال تزايد التصعيد، المتوفر في نهاية كل الطرق المغلقة، وهذا مكلف على الجميع، لأن تزايد التصعيد والتهديد، سيؤدي في لحظة أن يقتحم أحمق الأجواء المتوترة، ويطلق الرصاصة الأولى، التي تندلع بعدها الحروب والمآسي.
ليس هناك مشكلة بدون حل، وأفضل الحلول تلك التي تعالج الجذور، كما يقول الحكماء عادة، ومع أن جذور المشكلة في الشرق الأوسط عميقة جداً، فلا بد أن تكون الأفكار المطروحة على تلك الدرجة من العمق، وليس هناك أفضل، حسب التجربة الإماراتية، من مشروع التآخي والتعايش السلمي، القائم على احترام الأخوة الإنسانية، والعودة للمربع الأول، حيث كانت الإبراهيمية، تجمع كل من يعيش على أرض هذا العالم، وتساوي بين الناس، ولاشك أن بلوغ تلك الدرجة، سيساهم في تفكيك موجبات الألم التي تدفع للصراع، وستجعل من الفكر السياسي والدبلوماسي الذي يعالج الأزمة، أكثر مرونة وأكثر تحقيقاً للنتائج.

* لواء ركن طيار متقاعد