عاد الجيش إلى السلطة في ميانمار (بورما سابقاً)، فصباح يوم الأول من شهر فبراير الجاري نفّذ جنرالاتُ الجيش انقلاباً أنهى تجربة دامت خمس سنوات من مقاسمة السلطة مع حكومة مدنية. واعتُقِلت «أونج سان سو كي» التي قادت هذه الحكومة واعتُقل معها عددٌ لا حصر له من النشطاء وأصحاب الأصوات المستقلة. وتواجه الولايات المتحدة معضلة دبلوماسية في ميانمار حتى قبل الانقلاب. و«سان سو كي» أكبر حليف للولايات المتحدة في البلاد، لكن هناك الآن إلى حد ما نفور دولي منها بسبب دعمها للجيش في قيامه بعمليات التطهير العرقي عام 2017. فالزعيمة التي احتفى بها الليبراليون الغربيون ذات يوم، سافرت إلى لاهاي عام 2019 للدفاع عن الجيش ضد اتهامات التطهير العرقي. واتهمت «سو كي» في دفاعها المراقبين الغربيين بالجهل والمبالغة والخبث في تقاريرهم حول العنف في بلادها. واعتُبر موقفُها دليلاً على عداوة متزايدة تجاه الجهود التي تبذلها الحكومات الغربية للمضي قدماً نحو ترسيخ الانفتاح السياسي في ميانمار. كما جرى تفسير جهودها، من خلال منصبها الرسمي، لتعزيز علاقات ميانمار مع الصين بأنها دليل على موقف سلبي من الغرب. 
وإن امتلكت الولايات المتحدة ذات يوم أوراق ضغط على الجيش البورمي، فقد تقلّصت كثيراً في السنوات القليلة الماضية. فالعقوبات التي فرضتها على جنرالات الجيش المسؤولين عن الحملة ضد الروهينجا مزّقت العلاقات الدقيقة (والمثيرة للخلاف) التي أقامتها الولايات المتحدة مع المؤسسة العسكرية في ميانمار خلال السنوات السابقة، ولم تحظ بدعم كثير من مواطني البلاد الذين يؤيدون مسعى الجيش لطرد الأقلية المسلمة التي تفتقر للتعاطف داخل الأغلبية البوذية. والمصير نفسه يلحق بالأمم المتحدة وهيئات أخرى حاولت على مدى سنواتٍ مراقبةَ التحركات المثيرة للقلق بشكل متزايد من جانب الجيش. فقد شهدت هذه الجهات أيضاً تلاشي نفوذها السياسي. 
وحذّر بيان للبيت الأبيض بعد انقلاب الاثنين الماضي من «اتخاذ إجراء ضد المسؤولين ما لم يجر التراجع عن هذه التحركات». ولوّح لاحقاً إلى إمكانية فرض المزيد من العقوبات. ولم تتضح بعد التأثيرات المحتملة لمثل هذه التحركات. فالعقوبات مفروضة بالفعل ضد قائد الجيش «مين أونج هلاينج» وقادة عسكريين كبار آخرين، ومن الواضح أنها لم تكبح تجاوزاتهم إلا قليلاً، بدليل قيامهم بالانقلاب. وربما يجري استهداف شركات الجيش الآن بفرض عقوبات أشد، لكن وزارة الخارجية الأميركية لطالما ترددت في فرض أي عقوبات مالية قد تضر بالأوضاع الاقتصادية لسكان ميانمار الفقراء أصلاً. 
وهناك القليل للغاية مما تستطيع إدارة بايدن القيام به الآن. والانقلاب يمثل ضربة إفاقة للذين أشاروا إلى انتقال ميانمار باعتباره دليلاً على نجاح جهود واشنطن في «دعم الديمقراطية» في البلدان السلطوية. وربما تعرف الولايات المتحدة الآن أنها خسرت ميانمار أو على الأقل خسرت ميانمار التي حاولت ذات يوم أن تجعل منها حليفاً. والاهتمام الشديد بهذه البلاد في السنوات التي شرعت فيها في الانتقال إلى الديمقراطية عام 2010 بدأ يخفت منذ فترة. 
وحكم المجلس العسكري الذي بدأ تقهقره عام 2010 البلادَ 16 عاماً، وهو تكرار لحكم الجيش للبلاد منذ عام 1962. واستغرق الأمر من الجنرالات سنوات ليضعوا صيغة انتقال جزئي يأملون أن تضمن مصالحهم. وجاء انقلاب يوم الاثنين الماضي في أعقاب انتصار ساحق لـ«حزب الرابطة القومية من أجل الديمقراطية» بزعامة «سو كي» في الانتخابات التي شهدتها البلاد في نوفمبر الماضي. والانقلاب يؤكد أن هذه التجربة قد لا تحقق في نهاية المطاف ما كان مأمولاً منها ذات يوم. 
ومع عودة السلطة إلى الجيش، فإن كل المجالات الأخرى ستتأثر بذلك، مثل الإعلام المستقل وشبكات النشطاء وغيرها. وكانت هذه المجالات قد وَجدت على مدار العقد الماضي مساحةً تقوم فيها بعمل محوري لمجتمع سياسي قادر على العمل. وهذا التقهقر سيثير إحباط مَن دعموا المعارضة في ميانمار طوال السنوات الماضية. وهناك عواقب وخيمة أخرى أيضاً. فقد كابدت ميانمار واحداً من أطول الصراعات المسلحة في التاريخ الحديث، بسبب افتقار الأقليات المحرومة من الحقوق لقنوات رسمية يمكنها التفاوض عبرها. ولم يمر وقت طويل على الشروع في فتح جزئي لهذا القنوات، لكن سيجري إغلاقها الآن أيضاً. 
وإذا كان «مين أونج هلاينج» يبالي بالنفوذ الأميركي فعلاً، فسيسعى إلى إعادة «سو كي» إلى الحكومة. لكن لم يعد من الواضح أنه يبالي بهذا. وقد تجد إدارة بايدن أن العمل الذي قامت به إدارة أوباما لجذب ميانمار إلى فلك واشنطن كان عملاً بلا جدوى. والحملة ضد الأقلية العرقية لم توضّح فحسب الضراوة التي قد يواجه بها الجيش فئة ضعيفةً من السكان، لكنها توضح أيضاً استعداده للمغامرة بروابطه مع الغرب في سبيل إنهاء التأييد الشعبي ل«سو كي». وستستمر المعركة الخاصة بالديمقراطية في ميانمار، لكن ستكون للجيش الآن سيطرة أكبر على نتيجتها. وبعد أكثر من عقد على خروج ميانمار من ظلام الاستبداد، ها قد عادت غيومه تتسلل مرة أخرى.

فرانسيس واد

مؤلف كتاب «عدو ميانمار في الداخل: العنف البوذي وتحويل المسلم إلى آخر» 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»