وصل مسبار الأمل إلى وجهته، ودخل في مدار كوكب المريخ ليبدأ مهمته الكبرى، ويوجِّه في الوقت نفسه رسالةً إلى العرب، وخاصةً أجيالهم الجديدة الصاعدة، مفادها أن الأفق صار مفتوحاً أمامهم إلى مستقبل أفضل بمقدار ما يعتمدون على المعرفة. فقد أثبت نجاح دولة الإمارات العربية المتحدة في ارتياد الفضاء قدرةَ الإنسان العربي على المساهمة في إنتاج المعرفة على المستوى العالمي، وليس استهلاك ما يُنتجه العالم منها فقط. والرسالة موجهة، في الوقت نفسه، إلى العالم الذي تابع رحلة الخمسمائة مليون كم إلا قليلاً، التي قطعها مسبار الأمل في طريقه إلى الكوكب الأحمر. وتنتظر الأوساط العلمية في العالم المعلومات التي سيجمعها المسبار والمعرفة العلمية التي سيضيفها خلال مهمته التي تستغرق سنة مريخية، أي حوالي سنتين من سنوات الأرض.
بدأ مسبار الأمل في الدوران حول كوكب المريخ لإجراء بحث شامل لغلافه الجوي، مستهِلاً مهمته، التي ينتظر علماء الفضاء والفلك نتائجها، قبل وصول مسبارين آخرين أُطلقا في العام الماضي أيضاً، إذ سيبلغ كل من المسبار الصيني تيانوين-1، والمسبار الأميركي برزيفرانس التابع لوكالة ناسا وجهتهما في المريخ خلال الأيام القادمة.
وكم تبدو طموحةً مهمة مسبار الأمل، الذي يهدف إلى استكشاف الغلاف الجوي للكوكب الأحمر، ومتكاملةً مع مهمة المسبار الأميركي الذي سيبحث عن أي آثار تدل على حياة سابقة في هذا الكوكب من عدمه.
سيدرس مسبار الأمل طقس الكوكب ودوراته اليومية والموسمية، وظواهره الجوية، وأسباب التغيرات المناخية الشديدة فيه، والعوامل التي تؤدي إلى هروب غازي الأوكسجين والهيدروجين من غلافه الجوي. 
وقد سبق إطلاق هذا المسبار إعداد متقن لمهمته الكبرى، وتحضير الأجهزة العلمية التي ستُستخدم في الحصول على معرفة شاملة لحالة غلاف المريخ الجوي واختيارها، سواء الكاميرا الرقمية شديدة الدقة، أو جهاز الأشعة تحت الحمراء المُصمم لإجراء قياس دقيق لأحوال طقسه وظواهره الجوية، أو جهاز الأشعة فوق البنفسجية اللازم لدراسة غلافه الجوي العلوي واستكشاف آثار غازي الأوكسجين والهيدروجين في غلافه الخارجي.
وتكتسب مهمة مسبار الأمل أهميتها الخاصة من ازدياد الاهتمام العلمي في العالم بكوكب المريخ، وتنامي آمال العلماء والخبراء ورواد التكنولوجيا الجديدة في إمكان إرسال رحلات مأهولة إليه، كما يحدث منذ تجول رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونج على سطح القمر في 21 يوليو 1969.
ويتطلب تحقيق هذه الآمال جهوداً كبيرة لدراسة الكوكب على النحو الذي يقوم مسبار الأمل بجانب منه الآن، للتغلب على تحديات كبيرة أهمها تعرض المريخ لإشعاعات كونية ذات طاقة عالية تنطوي على مخاطر كبيرة، وانخفاض الجاذبية على سطحه، وصعوبة الاتصال مع الأرض، إذ يستغرق وصول معلومة إليها 20 دقيقة بسرعة الضوء، وعدم وجود الأوكسجين الذي يبحث مسبار الأمل عن أسباب هروبه منه.
وتقوم شركة «سبايس إكس» بدراسة كبيرة يجري تحديثها طوال الوقت حول متطلبات إرسال رحلات مأهولة إلى المريخ، الأمر الذي يجعلها في حاجة مستمرة إلى معلومات متجددة من النوع الذي سيوَّفره مسبار الأمل. وحققت هذه الشركة تقدماً لم يكتمل بعد في تجارب إطلاق صاروخ لهذا الغرض، وهو الصاروخ التشغيلي الأقوى في العالم حتى الآن، إذ يعتمد على اشتعال 27 صاروخاً من النوع المداري في وقت واحد. ورغم أن التجربة الأخيرة لهذا الصاروخ، المعروف باسم «ستارشيب نمير 8» أسفرت عن تحطمه، فقد حققت نتيجةً أفضل من سابقاتها، إذ صعد ومضى في مساره قبل أن تتوقف محركاته الثلاثة واحداً تلو الآخر خلال عودته.
لقد بلغ الشغف العلمي بالفضاء في السنوات الأخيرة مستويات غير مسبوقة، منذ بدء محاولات استكشافه في خمسينيات القرن الماضي. ويحظى الكوكب الأحمر بالجزء الأكبر من هذا الشغف الآن، سعياً إلى استكشاف كيف تحوَّل إلى ما يشبه صحراء جليدية شاسعة فقدت غلافَها الجوي نتيجةَ ما يعتقد أنه تغير مناخي مُهوِل حدث قبل ملايين السنوات.
ولهذا أصبح استكشاف الفضاء أحد أهم الأبواب التي تُطرق لرفع مكانة الدول والشعوب في العالم، لأن المساهمة في هذا الاستكشاف تعني القدرة على إنتاج العلم والمعرفة. وقد طرقت دولة الإمارات هذا الباب، باسم العرب جميعاً، وفتحت أمام شبابهم أفقاً جديدة بمقدار ما يتخذون من العلم منهجاً لهم في التفكير، ويسعون إلى امتلاك الأدوات اللازمة للساهمة في تحقيق التراكم المعرفي في مختلف العلوم.