الفرقاء الليبيون في جنيف اتفقوا على سلطة جديدة تتولى شؤون البلاد وصولاً إلى الانتخابات في ديسمبر نهاية العام 2021، والترحيب بهذه الخطوة جاء من أطياف متعددة من الشعب الليبي ومن العديد من الدول العربية الداعمة للدولة الليبية والشعب الليبي، مع ترحيب دولي واسع.
هل هذه هي نهاية المطاف لسنواتٍ عشرٍ من الفوضى والإرهاب والاحتراب الداخلي والاستعمار التركي والتغول الأصولي «الإخواني» و«القاعدي» و«الداعشي»؟ هل هي بالفعل نهاية للمأساة الليبية والصراعات الدولية والإقليمية على نفطها وثرواتها؟ كل الأمل هو أن تكون الإجابة بنعم، ولكن العقل يرجح الانتظار والتمعن في قراءة التطورات القادمة.
الدول التي استثمرت في الفوضى الليبية في المنطقة مليارات الدولارات لا زالت قائمة وتدار بنفس العقليات، وربما نفس الأشخاص والأطماع التي دفعت لذلك الاستثمار موجودة وزادت أكثر، والعملاء والمرتزقة ما زالوا بأموالهم وأسلحتهم في مواقعهم، وبالتالي فمن الجيد رصد المواقف والتحركات في الفترة القليلة المقبلة، لأنها ستنبئ بوضوح عما ستؤول إليه الأمور.
الأمم المتحدة منظمة دولية بالغة الأهمية، وهي التي أصبحت تُدار الصراعات الدولية من خلالها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي حققت نجاحات كبرى، حين تتاح الفرصة بتوافق الدول العظمى، أو برجحان قوةٍ على أخرى وفرض شروطها، ولكنها في حالات كثيرةٍ لا تحفل ولا تستطيع إيجاد حلولٍ حقيقيةٍ ودورها يستمر باستمرار الصراعات لا بنهاياتها، وقد تابع الجميع أدوارها في العقود الأخيرة، وتحديداً ما بعد الفوضى العارمة وتفشي الإرهاب، الذي كان يُعرف بالربيع العربي في سوريا واليمن وليبيا وغيرها، فلا حلّ ولا اعتراف بالحقائق على الأرض.
تستطيع الأمم المتحدة حماية اتفاق جنيف الليبي، حين تأخذ مواقف حازمة من أي مخالفات للاتفاق ستجري بالتأكيد في المرحلة المقبلة، وحين تضع يدها على أي خلل وتسمي الجهات المسؤولة والأشخاص المعنيين دون مواربة أو غموض، ويمكنها فعل هذا استفادة من كل الدعم الليبي والعربي والدولي المرحب بهذا الاتفاق.
فازت قائمة السيد عبدالحميد الدبيبة لرئاسة الوزراء ومحمد المنفي لرئاسة المجلس الرئاسي، وهو فوز جاء خلاف التوقعات، ومن خارج الشخصيات المعروفة في المرحلة السابقة، ومع التنوع الموجود في هذه القائمة، والذي يراعي غالب فئات الشعب الليبي، فإن تعزيز هذا التنوع في الحكومة المزمع تشكيلها خلال ثلاثة أسابيع، سيعزز من فرص النجاح والاستمرار.
مشكلة مثل هذه الحلول السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة أنها لا تسمي الأشياء بمسمياتها الصريحة، وما كان قائماً في ليبيا منذ سنواتٍ هو صراع بين قوى وطنية من جهةٍ وميليشيات أصولية وتنظيمات إرهابية من المرتزقة يدعمها مستعمرٌ أجنبي تركي من جهة أخرى. وهذا التوصيف يجعل طريق الحل سهلاً، ولكن الأمم المتحدة لا يمكن أن تعتمد مثل هذا التوصيف، لأن الحل سيكون واضحاً، ولا يحتاج لأكثر من إرادة دوليةٍ لفرضه.
الشعب الليبي تعب كثيراً من استقرار الفوضى وغياب الدولة الليبية، وهو بحق بحاجة لاستعادة الدولة التي تفرض استقرارها وهيبتها على كامل أراضيها، وتجبر الجميع على الانشغال بما يصنع أمناً واستقراراً في الحاضر، يمهد للتنمية والرقي في المستقبل.
ليبيا دولة غنية بمواطنيها وكفاءاتها وإنسانها قبل كل شيء، وهي غنية -كذلك- بمواردها الطبيعية ونفطها وغازها وموقعها الاستراتيجي، وبمجرد استقرار الدولة، سيشهد الشعب الليبي انطلاقة سريعة نحو مستقبل أزهى وأبهى.
أخيراً، فأحد الضمانات الأساسية التي ينبغي على الأمم المتحدة والدول الداعمة للدولة الليبية وشعبها الانتباه لها هو تركيا وسياساتها في المرحلة المقبلة تجاه ليبيا، ففرص النجاح ستكون أكبر بكثير إذا التزمت تركيا بعدم التدخل في الشأن الليبي.