التصريحات والمواقف المُعبّر عنها من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن خلال الأيام الماضية تشير بوضوح إلى أنها ستتبنى مقاربة مختلفة في التعامل مع إيران تجمع بين استراتيجية الضغوط القصوى التي طبقتها إدارة الرئيس الأميركي السابق ترامب، وبين نهج الدبلوماسية والحوار الذي طبقته إدارة الرئيس الأسبق أوباما، وذلك خلافاً للتوقعات التي راجت خلال الأشهر الماضية بأنها ستعود إلى الاتفاق النووي على الفور، وهذا ما يفهم من تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لتليفزيون «إن.بي.سي» قبل أيام، والتي طالب خلالها إيران بالعودة للالتزام باتفاقها النووي قبل أن تتخذ واشنطن أي خطوة تجاهها، بل إنه لم يستبعد أن تكون على بعد أسابيع من امتلاك مواد لسلاح نووي إذا واصلت خرق هذا الاتفاق.
ومن الواضح أن مقاربة إدارة بايدن في التعامل مع إيران تبدو أكثر شمولية؛ فهي لا تقتصر فقط على إلزامها بالعودة إلى الاتفاق النووي والالتزام بكافة بنوده والتخلي عن أنشطتها الخاصة باستئناف تخصيب اليورانيوم، وإنما أيضاً الأخذ في الاعتبار برنامجها الخاصة بالصواريخ الباليستية الذي ينطوي على تهديد واضح للأمن والاستقرار الإقليمي في ظل استمرار سياساتها العدائية والتدخلية في شؤون العديد من دول المنطقة، ما يعني أن الولايات المتحدة – وفقاً لتصريحات بلينكن- تسعى إلى بناء «اتفاق أطول وأقوى يتناول المسائل الصعبة»، وبالتالي فإن أي مفاوضات مستقبلية ربما ستعالج الثغرات السابقة التي تضمنها الاتفاق الأولي في عهد إدارة أوباما، وخاصة في ما يتعلق بتمديد فترة فرض القيود على أنشطة إيران لإنتاج المواد الانشطاريّة التي قد تستخدم لصنع السلاح النووي، فضلاً عن برنامجها الصاروخي ودعمها للعديد من الميليشيات المسلحة والطائفية التي تستخدمها ضمن أدواتها لتنفيذ مشروعها التوسعي في المنطقة.
الجانب الآخر والمهم في مقاربة إدارة بايدن، أنها ستسعى إلى إشراك بعض دول المنطقة في المفاوضات المحتملة مع إيران بشأن برنامجها النووي، خاصة السعودية والإمارات، وهو أمر يشير بوضوح إلى أن الولايات المتحدة ستتعامل مع قضايا المنطقة من منظور متوازن يأخذ في الاعتبار رؤى الدول الفاعلة فيها حتى تضمن لأي اتفاق مستقبلي فرص الاستمرار والإسهام بفاعلية في تعزيز أمن المنطقة واستقرارها. 
تبدو إيران اليوم في مأزق حقيقي، لأن رهانها على عودة الولايات المتحدة سريعاً إلى الاتفاق النووي لم يتحقق حتى وقتنا هذا، خاصة أن إدارة بايدن- كما هو واضح من تصريحات العديد من مسؤوليها- لن تسمح لها بامتلاك السلاح النووي أو التغاضي عن سياساتها المزعزعة لأمن المنطقة واستقرارها؛ والأهم أنها، أي إدارة بايدن، تنتظر من طهران اتخاذ الخطوة الأولى التي تثبت من خلالها أنها جادة في الالتزام بكافة بنود الاتفاق النووي، وتتطلع إلى مرحلة جديدة تكون فيها طرفاً مشاركاً في الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها وليس العكس.

*مركز تريندز للبحوث والاستشارات