إدارة الرئيس بايدن تجتهد في ثلاثة أبعاد: تحديات استعادة قيادة العالم الحر من خلال إحياء التحالفات الاستراتيجية، إدارة جائحة كوفيد-19 على المستوى الوطني، وأخيراً هيكلة التعافي الاقتصادي والاجتماعي أميركياً. وبالعودة لتحديات استعادة الولايات المتحدة لدورها قائدة للعالم الحر، فإن خطاب الرئيس بايدن حدد الأسس المرجعية لإدارته، الأخلاقية منها والسياسية. إلا أن الغائب الحاضر في ذلك الخطاب كان الملف النووي الإيراني، مع إفراده مساحة للملف اليمني، في حين غاب الملف السوري. التوازن السياسي هي ضالة الإدارات الأميركية المتعاقبة في تعاطيها مع القضايا التي تمس الأمن القومي لدول الخليج العربية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية. بل تعمدت كل الإدارات الأميركية تحجيم الأدوار الحيوية التي اطلعت بها الرياض ذات الأبعاد الاستراتيجية، من الاستمرار في اعتماد الدولار عملة تقويم النفط بعد الانهيار شبه التام للاقتصاد الدولي، والذي تسببت به المنظومة المالية الأميركية، أو دورها في ضمان استقرار أسواق الطاقة، ناهيك عن دورها القيادي في جهود إعادة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وإسهاماتها في إدارة جائحة كوفيد-19 مقارنة بشركائها في مجموعة العشرين. 
المصالح المشتركة هي ما تحدد طبيعة العلاقات وأسقفها بين الدول، إلا أننا لا زلنا نتعاطى ذلك بالكثير من الدبلوماسية التقليدية، في حين يمارس بعض الحلفاء ما يقارب الابتزاز في بعض الملفات. ويتضح ذلك بالعودة للملف اليمني تحديداً تصنيفه «بأكبر المآسي الإنسانية سياسياً». ولو قورن بالمأساة السورية على مقياس المآسي (لنفترض من عشر نقاط)، ولتكن من حيث/ عدد الضحايا/ حجم الدمار للمدن والبنى التحتية/ النزوح الداخلي/ اللجوء الخارجي/ حجم الجرائم المصنفة بجرائم ضد الإنسانية. ونتمنى أن تتقدم الأمم المتحدة، وأي وزارة خارجية لدولة من الدول المعتمدة لذلك التوصيف أو التصنيف بتحديد المعايير المعتمدة في الوصول لذلك.
ربما بات من الضروري مغادرة مربع فهم الدوافع والتعاطي بواقعية مع استحقاقاتنا، لا استحقاقات المظلومية الشيعية من المنظور الغربي في تعاطيها مع ملفاتنا، وعلى رأسهما الولايات المتحدة وبريطانيا. ذلك الإسقاط التاريخي فشل في تقديم أنموذج قياسي وحيد قابل للاستدامة السياسية أو الاجتماعية، رغم عديد الأمثلة الفاشلة في احتواء إيران عبر مصالحة المظلومية الشيعية. فهل استطاعت المظلومية الشيعية المُمكنة سياسياً تحقيق دولة وطنية أو دعم مشروع دولة وطنية في عموم بلاد الرافدين أو لبنان واليمن.

متلازمة قُصر الذاكرة الأخلاقية لدى بعض حلفائنا يجب أن تواجه بقرارات قادرة على إعادة صياغة مقاربات قابلة للاستدامة، وإنْ كان إصرار بعض حلفائنا فرض التوازن السياسي الاجتماعي مبعثه التصالح التاريخي طائفياً مع المظلومية الشيعية بهدف تحقيق هدف استراتيجي يتمثل بتحقق الاحتواء الفاعل للجمهورية الإسلامية في إيران، دون التفريط بالجغرافيا السياسية للدولة أو سقوط الجمهورية الإسلامية. فذلك مشروعهم، وهو على حساب مصالحنا القومية بما في ذلك العودة للاتفاق النووي دون ربطه بالبرنامج الصاروخي، أو سياساتها العبثية والعدائية في عموم جوارها المباشر في الشرقين الأوسط والأدنى. 
الرئيس بايدن في خطابة المتلفز الأول تطرق للعلاقات الخاصة التي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وأكد على دعم إدارته للسعودية في مواجهة التحديات الأمنية «من ما تمثله الاعتداءات الحوثية، وإيران ودول أخرى». وكلنا يعي قصد الرئيس بايدن (بالدول الأخرى أو المصادر الأخرى لتلك الاعتداءات)، فهل يجب أن نستمر في ضبط النفس مع كل ما تمثله السياسات الإيرانية من تهديد، في حين يفرض علينا القبول بالكارثة المؤجلة والمتمثلة بخزان النفط (صافر) فقط لأن بعض هؤلاء الحلفاء قد مكّن «الحوثي» من توظيفه أداة سياسية؟
*كاتب بحريني