حين أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن اعتبارها الرابع من فبراير يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية، كان ذلك إدراكاً متقدماً من القائمين عليها للأهمية الفائقة لطريق يوحد المتفرقين، ويجمع المشتتين من حول الأيديولوجيات الضيقة، وقد وجدوا في وثيقة «أبوظبي للأخوة الإنسانية» مسرباً وأملاً لخلق بشرية أكثر تضامناً وتعاوناً.
في اليوم العالمي للأخوة الإنسانية توقف الجميع أمام أنفع وأرفع ما في الوثيقة، وهو أنها تبث الأمل الحقيقي، وتجاوزت حدود التشكيك في مقدرة أصحاب النوايا الصالحة على صنع عالم أكثر اتساقاً وسلاماً وأخوّة، وخرجت إلى النور ببشائر عالم جديد، يُنادي بإطلاق للمأسورين في أطر الكراهية، والمحتجزين في غياهب جب العداوات.
قدمت الإمارات العربية المتحدة عبر تلك الوثيقة نموذجاً خلاقاً وخلافاً للمعروف والمألوف والموصوف، من مسارات التصادم الحتمية بين أتباع الأديان، فقد أظهر بابا الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وشيخ الجامع الأزهر، إمكانية حقيقية للتقارب الوجداني الصادق، والصورة بألف كلمة كما يُقال. وقد حفظت لنا ذاكرة الصورة كيف تلاقى الشيخ الطيب مع البابا فرنسيس بأحضان صادقة، ليعكس المشهد نموذجاً حياً متجسداً لثقافة الأخوّة، رغم التباين الواضح في اللغة والعرق، الثقافة والمذهب. لكن المحبة ظللتهما والأخوّة بسطت أجنحة الوفاق عليهما. فكان طريق العمل من أجل الخير العام هو الرد العملي على المتهوسين، والذين اعتبروا القصة ضرباً من ضروب «اليوتوبيا» في زمن العولمة التي سلّعت الإنسان.
خلال العام الماضي أظهرت الإمارات العربية المتحدة صدق رؤيتها وقناعتها بمسار الأخوّة الإنسانية، الأمر الذي تمثل في ثلاثة مشاهد:
الأول: حين ضربت جائحة كوفيد-19 المستجد العالم، وبدا أن هناك من ليس لهم أحد يذكرهم، لا سيما في الدول التي اعتبرت بؤراً للوباء، ومن هنا انطلقت الإمارات لتأسيس مدينتها الإنسانية، تلك التي استقبلت المرضى من غير تمييز على أساس عرقي أو ديني، فقد اعتبرت ولا تزال أن الإنسان هو القضية والإنسان هو الحل.
الثاني: اعتبرت الإمارات ومن العالم برمته، وبشهادة حاضرة الفاتيكان، مثالاً عصرانياً لنموذج السامري الصالح، ذاك الذي لم يتوقف عن اغاثة الغريب قبل القريب، وقد حلقت طائراتها في الأجواء الدولية، حاملة الأمل والإحساس الأخوي ، قبل أن تقدم الدواء والغذاء والكساء للأكثر احتياجاً حول الكرة الأرضية، ووصل خير الإمارات إلى غابات الأمازون في أميركا اللاتينية، ليستنقذ الذين حاصرهم الجوع، وصل إلى أخوّة لهم في الإنسانية، قبل أن ينشب الفقر أسنانه في حياتهم ومستقبلهم، وقد كان الجواب الإماراتي عن سر الرجاء حاضراً.
الثالث: لم تهمل الإمارات الجانب الروحي عند الأخوة في الإنسانية، ما تمثل في الدعوة عبر «اللجنة العليا»، التي انبثقت من روح الوثيقة لمتابعة أعمالها على الأرض، إلى يوم صلاة في الرابع عشر من مايو الماضي. وقد لبى النداء الملايين من البشر حول العالم في ظاهرة لم تحدث من قبل، ما يقطع بأن عالمنا المعاصر في ظل «وثيقة الأخوة الإنسانية، ليس هو كما قبله. في رسالته البابوية الأخيرة «كلنا أخوة»، يحثنا البابا فرنسيس على بناء مجتمع أخوي يعزز التربية على الحوار من أجل القضاء على «فيروس الفردانية الراديكالية»، وكي يفسح المجال أمام الجميع ليقدموا أفضل ما لديهم.
أظهر الاحتفال العالمي بيوم الأخوّة، والزخم والترحيب الكبيرين به حول العالم، أن المفهوم الذي قدمته الإمارات للعالم حري به أن يجعلنا نتذكر مرة كل عام مقدرتنا على عيش التضامن الكوني الجديد.
* كاتب مصري