مع إصرار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على تنفيذ إصلاحات جذرية لضبط الهدر المالي ومحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين ووضع حد للإنفاق الحكومي غير المبرر، تبرز بشكل ملح ضرورة تنفيذ إصلاح اقتصادي وفق أسس حديثة، بما يضمن استثمار الموارد وتنويع مصادر الدخل بدلاً من الاعتماد فقط على النفط الذي تغطي إيراداته نحو 95% من موازنة الدولة. 
وبتشجيع من مؤسسات التمويل الدولية، لاسيما البنك وصندوق النقد الدوليين، يتجه الاهتمام إلى اعتماد رؤية وطنية مشتركة بين القطاعين العام والخاص، وتتجاوز الاعتبارات السياسية والمصالح الفئوية والشخصية الضيقة، وتأمين انتقال تدريجي لمختلف القطاعات بشكل يعيد التوازن لمصلحة القطاع الخاص، وبأقل الأضرار والتداعيات السلبية، خصوصاً أن الإصلاح الاقتصادي يهدف إلى تغييرات هيكلية تتركز على قطاعات عدة، أهمها المصارف الخاصة لجهة تفعيل دورها في تنمية نشاط القطاع المصرفي الذي يعاني من تشوهات بنيوية، وتمكينه من المساهمة في إعادة الإعمار. 
ويوجد في العراق حالياً 55 مصرفاً، منها 7 مصارف حكومية تسيطر على 90% من موجودات القطاع، تاركةً فقط 10% لنحو 48 مصرفاً في القطاع الخاص، ولا تكتفي المصارف الحكومية بودائع القطاع العام، بل تسيطر على 63% من ودائع القطاع الخاص. وتشكو المصارف الخاصة من قيود الحكومة التي تنحاز إلى مصارفها في النشاط المالي. مع العلم أن حلولاً عدة مطروحة لتأمين السيولة التي تحتاجها لسد العجز في الموازنة، منها بيع أصول استثمارية لمؤسسات وشركات حكومية إلى القطاع الخاص، إذ أن هناك أكثر من 174 شركة مملوكة للدولة، 80% منها خاسرة، وهي تستدين لتدفع رواتب موظفيها البالغ عددهم نحو 682 ألف موظف.
وفي قراءة موضوعية لبنود موازنة العام الحالي التي تحمل عجزاً بنحو 48 مليار دولار، يلاحظ الخبراء ملامح لم تشهدها الموازنات السابقة، أهمها «الخصخصة»، والتوجه بشكل كبير نحو القطاع الخاص. فقد تم إلغاء جميع المشاريع المدرجة تحت بند «النفقات الرأسمالية»، والإبقاء على المشاريع الرأسمالية الحقيقية التي لها علاقة مباشرة بالنمو. وتشير المادة 47 من الموازنة إلى أنه «على الوزارات كافة، تقييم الأصول التابعة لشركاتها العامة، وبما يضمن تمكينها من تأجير وبيع أصولها واستغلالها بأفضل السبل الاقتصادية، من أجل تعظيم مواردها الذاتية». ولذلك يبدو أن كل أصول الشركات العامة، بما فيها شركات النفط والمصافي، معروضة للبيع أو التأجير، الأمر الذي ينسجم مع الورقة البيضاء الحكومية التي تستمد أصولها النظرية من سياسات صندوق النقد، والرامية إلى خصخصة القطاع العام. 
وإذا كانت «الخصخصة» تواجه معارضة شديدة بسبب مساوئها الكثيرة، خاصة لجهة فقدان الدولة لمركزيتها وتهديد أمنها، ووجود فرص كبيرة للفساد المالي، وارتفاع أسعار الخدمة واحتمال عدم تحسنها، فضلاً عن ضعف تأثير المستهلك، فإن مؤسسات التمويل الدولية وأهمها البنك الدولي، تدعم نظام «الشراكة»، وهو معتمد في دول عدة، ويقوم على عقد «شراكة» بين القطاعين العام والخاص، وهي شراكة في المخاطر، كما في الاستثمار والأرباح، ويتحمل القطاع الخاص مخاطر التطوير والتصميم والتشييد والتشغيل والاستكشاف والتمويل والتضخم، بينما يتحمل القطاع العام مخاطر البيئة والتنظيم والسياسة والتعرفة. وتعتمد طريقة تلزيم المشاريع على تحديد وتوصيف «المخرجات»، حيث تتجه الدول للاستفادة من خبرات القطاع الخاص، ليس التشغيلية فقط، وإنما التصميمية والتمويلية أيضاً.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية