تواجه تونس منذ أسبوع مأزقاً سياسياً وتراشقاً بين أعضاء البرلمان بعد التعديل الوزاري الذي نال ثقة البرلمان لكنه عمق الصراع بين الرئاستين، ليبقي الوزراء الجدد مجمدين لم يباشروا مهامهم في وزاراتهم تحت رفض الرئيس السماح لهم بأداء اليمين أمامه، لتبقى 11 حقيبة وزارية معلَّقة حتى الآن بين نزاع الصلاحيات الدستورية ومقاطعة تامة ما بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية!
ويلعب «الإخوان»، ممثلون بحركة «النهضة»، لعبة خطيرة تؤجج الصراع وتفاقم الأزمة بين الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان)، عبر تشتيت السلطات وخلق أزمة دستورية عميقة أذكت وتذكي الانقسام والصراع بين المشيشي وقيس سعيد من أجل مخططات حزبية لحركة «النهضة» بزعامة راشد الغنوشي، خصوصاً بعد تصريحات قيس سعيد التي انتقد فيها النظام السياسي الذي أقرته حركة «النهضة» عام 2014 ووصفه بأنه «دستور 
قُد على المقاس وهو بعيد كل البعد عن مطالب الشعب في الشغل والحرية والكرامة الوطنية، وأنه لما تغير المقاس وتغيرت التحالفات بات ضيقاً كاللباس، الهدف منه إضفاء شرعية لا علاقة لها بالواقع، بل في قطيعة تامة معه»، في إشارة واضحة إلى حركة «الإخوان» التي كانت تسيطر على المجلس التأسيسي في ذلك الحين.
وتواجه رئيسة «الحزب الدستوري الحر» في تونس، السيدة عبير موسي، حملات شرسة من الحزب الإخواني، وذلك بسبب انتقاداتها الواسعة والمستمرة والشجاعة للمأزق السياسي المحتد الذي تسبب فيه حزب «النهضة» الإخواني، والذي وصفته بأنه سبب هذه المنظومة السياسية الهجينة المتمثلة بدستور 2014 والذي أفضى إلى هذا الحصاد البشع من الأزمات الدستورية والمؤسساتية والتناحر بين الرئاسات الثلاث، مما أدى إلى الاصطياد في الماء العكر من قبل «الإخوان» كي يخرجوا بأقل الخسائر من الأزمة السياسية الحالية. ورأت السيدة موسي أن الحل يكمن في تغيير النظام السياسي ونظام الحكم، وضرورة تغيير الدستور باعتبار أن بنود الدستور الحالي «ملغمة» وغامضة، فالقوى المدنية مجبرة الآن للاجتماع والانتفاضة لسحب الثقة من الغنوشي وإبعاده عن رئاسة البرلمان، ووقف تحريكه لخيوط اللعبة السياسية التي لا تخدم سوى التنظيم الإخواني. والواقع أن تيار «الإخوان» في تونس، متمثلاً في حركة «النهضة»، يواجه رفضاً شعبياً وبرلمانياً يضعه في مواجهة مطالبات بسحب الثقة، لاسيما أنه مارس ويمارس نزوعاً سلطوياً استبدادياً منذ أن بدأ قبل عشرة أعوام يخوض في هذا المعترك السياسي المتخم بالأخطاء والذي أدى إلى هذا الحال السياسي والاقتصادي المتأزم في البلاد.
وتوجه السيدة عبير موسي سلاحها -صوتها البرلماني- نحو «الإخوان» بحدة وقوة، كاشفةً أي غطاء يتدثر به هذا الحزب لترسخ فكرة الخبث التي ينتهجها حزب «النهضة»، لاسيما في ملف المرأة كونهم يزعمون دعمها، بينما يتخذونها كواجهة فقط، لكنهم يتبرمون ويرفضون أن يكون لها أي صوت أو رأي، كما يعانون عقدة واضحة تجاه المرأة ويحاولون عرقلتها عندما يرونها حاضرة في المؤسسة التشريعية!
وقد قوبلت تصريحات الغنوشي الموجهة لرئيس الجمهورية بموجة غضب واستياء لدى الساسة والنشطاء، متهمين إياه بمحاولة الالتفاف على الديمقراطية في تونس وتغيير شكل الحكم لصالح حزبه وتعميق الأزمة بين السلطات، واعتبروا تصريحاته بمثابة تمرد ونزوع إلى الانقلاب على الدستور الذي يحدد آليات الحكم في البلاد. الواقع في تونس، وبعد عشرة أعوام من صعود «الإخوان» هناك، يوضح حقيقة أساسية هي زيف ديمقراطية «الإخوان» وتعارض أهدافهم السياسية مع وحدة الأوطان واستقرارها!