صاحبَ جولة الجنرال كنيث ماكنزي (قائد القيادة الوسطى المركزية) صدور عدة مواقف تمس علاقات الولايات المتحدة بحلفائها ضمن حيز مسؤوليات قيادته، وأهمها مراجعة برامج التسليح الخاصة بالإمارات العربية المتحدة (برنامج الاستحواذ المتقدم للمقاتلة F-35) وإعادة تعويض المخزون من الذخائر الموجهة للمملكة العربية السعودية. ذلك بالإضافة لاشتراط الإدارة الأميركية إنهاء حالة الصراع في اليمن.
قد يكون من المستبعد عدم وجود شكل من أشكال التنسيق المسبق بين أفرع الإدارة الجديدة (الخارجية والدفاع) سبق وصول الجنرال ماكنزي لمنطقة الشرق الأوسط، فبالتأكيد أن الرئيس بايدن حريص على أن لا يستنفذ ما تتميز به وزارة الدفاع وخصوصاً قائد القيادة الوسطى مع القيادات المدنية والعسكرية ضمن حيز مسؤولياتها. وكذلك المخاطرة بتقليل حظوظ وزير دفاعه الجديد، الجنرال «لويد أوستن» في تطوير تلك العلاقات من منظور واقعها الاستراتيجي مستقبلياً بدل إهدار وقته في إصلاح العلاقات كسابقة الجنرال «ماتيس» في عهد الإدارة السابقة.
في مقال سابق تحدثت عن الشكل السياسي (المشاركة الفعلية، لا الحضور الشكلي) للأطراف المدعوة للمفاوضات المقبلة مع إيران حول برنامجها النووي، والذي سيتضمن سلوكها السياسي، وبرامجها الصاروخية. تلك هي المبادئ الحاكمة كما أعلن عنها من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، والمتوافق عليها من قبل الدول المدعوة (السعودية والإمارات)، ذلك بالإضافة لإسرائيل الطرف المتشاور معه. إلا أنه على ما يبدو، أن إدارة الرئيس بايدن، قد استبقت كل ذلك بإطلاق بالون اختبار لجميع الأطراف المعنية، في محاولة لاستمالة الحلفاء الأوروبيين، وإنْ كان ذلك على حساب مصالح حلفاء لها في الشرق الأوسط كالسعودية والإمارات.

المناورة سياسياً بحجب توريد أو إعاقة برامج تسليحية متفق عليها مسبقاً مع دول خليجية، هي ليست الأولى من قبل إدارة «ديمقراطية»، فقد سبق للرئيس أوباما أن هدد بذلك، إلا أنه سرعان ما تراجع عن ذلك لاحقاً. فالمصالح الاستراتيجية، والواقعية السياسية تفرض واقعها في نهاية الأمر. والطرفان اللذان يتعرضان للابتزاز السياسي (السعودية والإمارات)، هما الآن حليفان لا يمكن تعريض العلاقات معهما لاهتزازات كبرى وبهذا الحجم وفي هذا المفصل الزمني سياسياً. ولإدراك الإدارة الجديدة أن حجم التوافق الاستراتيجي بينهما وأوروبا يتعاظم بشكل مضطرد، مما قد يهدد واقع العلاقات التاريخية بينها والولايات المتحدة، ناهيك عن الواقع السياسي الجديد لما بعد توقيع المواثيق الإبراهيمية، وما قد تفرضه من واقع سياسي جديد على عموم منطقة الشرق الأوسط وحوض المتوسط.

إدارة الرئيس بايدن ستضطر لإعادة تقييم الموقف سريعاً، وقد يبدو أن تصريحات «جيك سوليفان»، مستشار الرئيس للأمن القومي المتسارعة حول تركيا وحيازة إيران لسلاح نووي، هي إشارة انعطافة أو تهدئة للتصعيد المحتمل مع كل من الرياض وأبوظبي حتى في ظل غياب أي ملامح ظاهرة لذلك حتى الآن. وقد يلجأ «سوليفان» لتوظيف العلاقات الخاصة لمبعوثه الخاص للشرق الأوسط وشمال افريقيا للمنطقة في إدارة هذا الملف المعقد بدل تركه كاملاً بيد الخارجية الأميركية. فالمستشار «سوليفان» في حاجة ماسة لجسر الهوة مع القيادات السياسية في المنطقة، حتى وإنْ جرى ذلك عبر قنوات إدارته.
التهديد بحجب توريد السلاح لا يمثل أي تهديد لحظي أو ماثل لأمن المنطقة، لأنها في جلها مستقبلي، وفي حال تعذر إكمال التعاقدات النهائية حولها، فإنها محدودة التأثير فعلياً لتوفر خيارات بديلة لدي حلفاء استراتيجيين مثل أوروبا، وكوريا الجنوبية، ناهيك عن ما توفره برامج الإنتاج الدفاعي الوطنية او شركات تم الاستحواذ الكلي أو الجزئي عليها في كل من أوروبا وجنوب أفريقيا.

* كاتب بحريني