انعقدت فعاليات منتدى دافوس الاقتصادي العالمي لهذا العام تحت شعار«عام حاسم لإعادة بناء الثقة»، وهو شعار معبر للغاية ومجسد لمتطلبات المرحلة الراهنة التي تتطلب تعزيز الثقة والتعاون بين دول العالم المختلفة لمواجهة المخاطر التي يفرضها وباء كوفيد-19 والمضي قدماً في مرحلة التعافي ومعالجة التحديات التي أوجدها هذا الوباء وتداعياتها على جميع مجالات التطور البشري، وتجاوز السلبيات التي نتجت عن تضاؤل التعاون الدولي في مواجهة الوباء خلال العام الماضي، والتي ساهمت في تفاقم الأزمة وخروجها عن السيطرة عالمياً.
لقد شكلت أزمة فيروس كورونا وفصولها المتوالية، تحدياً ضخماً، وقف أمامه العالم بكل ما وصل إليه من تقدم وتطور علمي هائل عاجزاً مكتوف الأيدي؛ فلم تفلح سياسات الإغلاق والتباعد التي طبقتها دول العالم في القضاء على الفيروس، وحتى مع تدراك بعض الأخطاء السابقة ونجاح المجتمع الدولي في التوصل إلى لقاحات لمواجهة تفشي الفيروس، فإن سلوكيات بعض الدول والشركات المطورة لهذه اللقاحات التي تحول دون التوزيع العادل لها بدت كحجر عثرة أمام نجاح عملية تلقيح الناس التي تتطلب تعاوناً إنسانياً أكبر.
ضمن هذه السياق، جاءت أهمية اجتماعات منتدى دافوس التي عقدت عن بعد خلال الفترة من 25 إلى 29 يناير الحالي بمشاركة 25 رئيس دولة وحكومة وألفين من قادة الاقتصاد والمجتمع المدني حول العالم. وقد أكدت اجتماعات المنتدى أن هناك إدراكاً متنامياً بأن العالم يواجه خطراً عالمياً مشتركاً يتطلب وضع أسس جديدة لمواجهته تقوم بالأساس على بناء الثقة وتعزيز التعاون الدولي. 
كما عكست كلمات قادة الدول والأعمال خلال المنتدى القناعة المتزايدة بأن الحلول الفردية للأزمات لا تجدي نفعاً، وأن الأفضل هو التضامن والاعتماد المتبادل وجعل العام الحالي عاماً لإعادة بناء الثقة بين دول العالم، وزيادة التعاون في مواجهة الأزمات العالمية، وفي مقدمتها أزمة كوفيد-19 التي باتت تتطلب حلولاً مبتكرة وجريئة، إضافة إلى مواجهة الإشكاليات القائمة، ولا سيما المتعلقة بالمطالبة بتحقيق المساواة في توزيع اللقاحات، وضمان حق الدول الفقيرة في الحصول عليها بسهولة. والتشديد أيضا على أهمية ابتعاد الدول عن منطق الصراعات وتغليب لغة الحوار والتضامن، وإعطاء الأولوية للمجالات التي تسهم في تحقيق رفاهية الشعوب مثل الاستثمار في التقنيات المتقدمة والصديقة للبيئة، وغيرها. 
توحي هذه النغمة الجديدة التي سادت مناقشات منتدى دافوس بأن العالم ربما تعلم درساً مفيداً من أزمة كورونا مفاده أنه ينبغي التعاون والتضامن من أجل صالح البشرية ورفاهيتها، فالأزمات العالمية باتت أكثر خطورة، وأشد تعقيداً بحيث أصبح من الصعب على دولة بمفردها أن تواجه هذه الأزمة. وربما تسهم قرارات الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن في عودة بلاده إلى منظمة الصحة العالمية واتفاق باريس للمناخ في تعزيز هذا الاتجاه.