نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة عبر مساعٍ بذلتها داخل أروقة الأمم المتحدة في تبني ما تمت تسميته لدى المنظمة الدولية بيوم «الأخوة الإنسانية»، وهي مناسبة ستقوم الأمم المتحدة بنشر ثقافتها لدى جميع أمم الأرض بحيث يحتفى بها في كل عام.
وقد شرعت دولة الإمارات في تبني الفكرة وحض الأمم المتحدة لجعلها احتفاءً عالمياً لدى جميع أمم الأرض استناداً على وثيقة الأخوة الإنسانية التي تم توقيعها في الرابع من فبراير 2019 في أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي قامت على فكرة التقارب بين الأديان السماوية في سبيل احترام معتنقيها لديانات بعضهم بعضاً والتفاهم والتسامح بين أتباعها في إطار احترام معتنقي كل دين منها لما يعتقده أتباع الديانات الأخرى وعدم المساس بها أو التطرق لها بسوء على أساس من الدين أو اللون أو الثقافة، فلكم دينكم ولي دين.
ويهدف مشروع من هذا القبيل إلى قضية سامية محورها عدم جعل الأديان منطلقاً للبغضاء والحروب بين البشر على أسس دينية، وهو منطلق طالما عانت البشرية من ويلاته وخاضت فيما بينها حروب طاحنة راح ضحيتها ملايين الأرواح البشرية على مدى التاريخ وفي معظم بقاع الأرض.
إن تبني مثل هذا المشروع من قبل الأمم المتحدة ونجاح دولة الإمارات في هذا المسعى ربما يشكل خاتمة لمرحلة حاولت فيها جماعات التطرف الديني سواء في الشرق أو الغرب جر البشرية إلى نهج من التفكير أبرز مظاهره تشير إلى وجود رابطة بين مجموعة معينة من البشر تفرض عليها تكوين المجتمع السياسي الخاص بها والقائم على أسس دينية صرفة تعزل هذا المجتمع عن المجتمعات البشرية الأخرى عزلاً تاماً، وتتمتع فيه الحكومة القائمة بسلطة دينية مطلقة وبمقدار ما تعبر به عن إرادة المجتمع المتدين وتخدم مصالحه الدنيوية.
وفي مجتمعات العالم القديم تواجدت عدة أنواع، خاصة في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي من الارتباطات، وهي أنواع متداخلة وإن انبثق كل منها عن مبادئ تختلف عن الأخريات، أولها الارتباطات الدينية الصرفة التي تشير إلى أنه على جميع اتباع الدين الواحد تكوين جماعة سياسية واحدة منفصلة عن الآخرين انفصالاً كاملاً.
وثيقة الأخوة الإنسانية، واليوم العالمي للأخوة الإنسانية رؤيتان نجحت دولة الإمارات في ترسيخهما كأفكار عالمية جديدة تهدف إلى التآخي الإنساني ونبذ الحروب الدينية والتأسيس لثقافة عالمية جديدة من العيش الآمن المشترك لجميع شعوب الأرض بمختلف أديانها وثقافاتها القديمة، وإلى وأد الأفكار القديمة التي كان محورها فكرة سياسية أساسية هيمنت على العالم منذ أن اعتنقت الإمبراطورية الرومانية الديانة المسيحية، وأصبح المعتقد الديني على المستوى الفردي أو الجماعي، هو الصفة التي يعرف بها الإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه، لكن هذه الفكرة لم تعد على إطلاقها صالحة للمجتمع البشري الحديث، فالأمة أو الدولة، كما تصورها دعاة الدولة الدينية فكرتها لا تعني الإيمان المشترك للأفراد بعقيدة دينية أو الإرادة في العيش وفقاً لشريعة منزلة وهم يعيشون في معزل أو في فضاء خاص بهم وحدهم، بل وفقاً لتراث مشترك قائم على المصالح والثقافة والعادات والطبائع في مجتمع إنساني مشترك.
وفي تقديري أن وثيقة الأخوة الإنسانية واليوم العالمي للأخوة الإنسانية يثيران فكرة أن العالم قد أصبح واحداً من زاويتين، هما صعيد التكنولوجيا المادية، وهي حقيقة ملموسة، وصعيد السياسة من منطلق أن الكرة الأرضية أصبحت اليوم مسرحاً شاملاً للحوار السياسي، وهاتان في الواقع فكرتان عميقتان تحتاجان إلى نقاش أكثر سعة واستفاضة من أن يتحمله مقال كهذا وسأتركه لمقام آخر، لكن المهم هنا هو الإشارة إلى حدوث تغيرات واسعة في الأنماط العالمية تثيرها الوثيقة واليوم العالمي يترتب عليها لزوم طرح أربعة أسئلة أساسية أمام الفكر الاجتماعي والسياسي العالمي، هي: ما هي الأمة؟ وما هي وما يجب أن تكون عليه العلاقة بين مصلحة المجتمع وبين مواريثه وشرائعه؟ وما هو موقف الدولة والمجتمع من العالم الخارجي؟ وأخيراً ما هو الاتجاه الذي يجب على الحكومات السير فيه لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة والرفاهية لمجتمعاتها؟ وجميعها أسئلة ذات شجون تتطلب إجابات عليها أكثر عمقاً واستفاضة.
*كاتب إماراتي