طبيعة الفيروسات أن تتطور وتتحور، من خلال تغيرات عشوائية في التركيبة الوراثية، والتي تمنح الفيروس القدرة على خداع جهاز المناعة والتسلل إلى الخلايا. وذلك بناءً على أن أسلحة جهاز المناعة، المكونة من أجسام مضادة وخلايا متخصصة، تعتمد على التعرف على البصمة الوراثية للفيروس، ومن ثم مهاجمته والقضاء عليه. وهي الفكرة التي تُبنى عليها التطعيمات، من خلال تعريف الجسم بالبصمة الوراثية للفيروس، حتى تستعد الخلايا والأجسام المضادة، حال محاولة الفيروس غزو الجسم. لكن إذا ما تغيرت هذه البصمة الوراثية، بسبب طفرات في الجينات، فإن جهاز المناعة ساعتها يرتبك وتفقد أسلحتُه فعاليتَها.
هذا السيناريو هو ما يحدث بالتحديد مع فيروس الإنفلونزا، والذي يتمتع بقدرة كبيرة على التغير والتحور، مما يتطلب سنوياً تطوير تطعيم خاص ومحدد للنسخة الأخيرة من الفيروس. وبخلاف تباين قدرة وسرعة الفيروسات على التغير وراثياً، يسرّع الانتشار الواسع للفيروس، وتسببه في عدوى أعداد كبيرة، من وتيرة تطوره وتحوره. وكما تمنح هذه التغيرات الفيروس القدرةَ على خداع جهاز المناعة، فإنها أحياناً ما تجعله أكثر قدرةً على العدوى، ومن ثم ترفع نسبة الوفيات بين المصابين به جراء المضاعفات.
وبالنسبة لفيروس كورونا الحالي، والذي ربما تمكن أساساً من القفز من الحيوانات إلى البشر من خلال طفرة وراثية، ظهرت مؤخراً أربع نسخ مختلفة منه، يمكن أن نطلق عليها: البريطانية، والبرازيلية، والجنوب أفريقية، والكاليفورنية (نسبة لولاية كاليفورنيا الأميركية). وعلى ما يبدو فإن بعض هذه النسخ أو كلها أكثر قدرةً على العدوى والانتشار، وبنسبة 70% أحياناً، وإن كان ليس معروفاً حتى الآن ما إذا كانت أكثر فتكاً. لكن منطقياً، كلما زادت أعداد المصابين ستزداد أيضاً أعداد الوفيات، حتى ولو لم يكن الفيروس المتحوِّر أكثر فتكاً.
وليس معروفاً حتى الآن مدى فعالية التطعيمات المتوفرة حالياً في مكافحة النسخ المختلفة من كورونا، وإن كانت شركة «مودرنا» قد صرَّحت مؤخراً بأن تطعيمها يتمتع بنفس الفعالية أمام النسخة البريطانية، وبمستوى أقل من الفعالية أمام النسخة الجنوب أفريقية. وتعتزم الشركة تطوير جرعة ثالثة منشطة من الفيروس، أقرب وراثياً للنسخ المتحورة. وعلى ما يبدو فإن تطعيم فايزر يتمتع هو الآخر بنفس الفعالية، وإن كانت النتيجة النهائية لا زالت محل بحث ودراسة.

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية