تقوم الولايات المتحدة بدور مؤثر في الاستقرار العالمي من جميع النواحي، سواء الاقتصادية أو السياسية أو حتى الاستقرار الأمني فيها. ولا شك في أن الشق المتعلق بالمنطقة العربية في السياسة الخارجية الأميركية هو لب اهتمامنا وموضِع ترقبنا، لا سيما بعد الأحداث الأخيرة وما حل بالبيت الأبيض عقب انتخابات ساخنة تبعتها أحداث كانت عنيفة ومقلقة.
ألقى الرئيس المنتخب جوزيف بايدن خطاباً واضحاً يوم 20 يناير 2021، وهو خطاب أشبه ما يكون بخارطة طريق سياسية لمستقبل العلاقات الخارجية لأميركا التي دائماً ما تحسم التنافس بين القوى الكبرى لصالحها بتبني القضايا العالقة في المنطقة كالقضية الفلسطينية على سبيل المثال، والتي تعهد بايدن فيها بمبدأ «حل الدولتين» والمزيد من الوعود والحلول التي تفضي إلى استعادة الثقة بدور بلاده كوسيط محايد في عملية السلام وإشراك أطراف عربية وخليجية في هذه العملية، سواء كانت اتفاقات سلام فلسطينية إسرائيلية تعالج «جوهر النزاع»، أم اتفاقات سلام عربية إسرائيلية لاستكمال ماتم إنجازه خلال الأشهر الماضية من معاهدات السلام العربية الإسرائيلية، والتي بدأت بمبادرة شجاعة من دولة الإمارات العربية المتحدة، وتستمر لتشمل عدة دول في المنطقة العربية، كي تسهم في خلق مناخ إيجابي من الثقة المتبادلة بين دول المنطقة وإسرائيل.
لقد بدأ الرئيس الأميركي ولايته الرئاسية بعدة قرارات رئاسية تحمل معاني سامية ورسائل عالمية، كان من أهمها توقيع قرار المساواة العرقية في المجتمع الأميركي، في 26 يناير الجاري، وهو قرار شجاع يحجِّم العنصرية ويقضي على أي سلوك يكرس الكراهية والتمييز العرقي. وما يحدث في أميركا لا شك أنه ملهم ومؤثر في كل بلد من بلدان العالم.
يخطئ مَن يعتقد أن سياسة بايدن الخارجية سوف تنسخ ما قبلها وتتجاهل الاتفاقات والمعاهدات الكبرى التي تم توقيعها في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، مثل مبادرات السلام العربية (اتفاقات السلام الإبراهيمية)، فهذا انطباع قاصر إذا سلمنا جميعاً أن الدول الكبرى تشيد سياستها الخارجية حسب مصالحها الكبرى، وتعزيز مكانتها العالمية ولن يعيقها تنافس حزبي على السلطة أو تغيّرُ في الإدارة التي قد تختلف في شكل التعاطي مع تلك المصالح، هذا باستثناء بعض القرارات التي قد تكس في ظاهرها الاختلاف وفي جوهرها الاتفاق والاستمرار، كالتعاطي مع جائحة كورونا -على سبيل المثال- والتي لطالما انتقد الرئيس بايدن الإدارة السابقة في التعامل معها داخل أميركا، بينما نجد الاختلاف أو الخلاف منحصراً حول الوسيلة في توزيع اللقاح والشفافية المتعلقة بالوباء، أما الغاية فهي نفس الغاية في الإدارتين معاً.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بشدة هو: كيف ستتعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع البرنامج النووي الإيراني؟ وهل سيقوض ما تم بناؤه خلال السنوات الأربع الماضية؟
وسؤال آخر: هل ستختلف كثيراً سياسة الرئيس بايدن عن سابقه الرئيس دونالد ترمب فيما يتعلق بالصين، وكذلك في ما يتصل بالعلاقة مع روسيا، بالإضافة إلى كوريا الشمالية أيضاً؟ 
إن المواقف السياسية التي تمس المصالح العليا للولايات المتحدة الأميركية ستبقى كما هي، ولن تتغير تحت أي إدارة «ديمقراطية» كانت أم «جمهورية» ما لم تحدث مهادنات تصب في الصالح القومي الأميركي وتعزز من مكانة أميركا، الاستراتيجية والسياسية، وتكريسها كزعيمة للعالم وكقوة عظمى وحيدة بلا منافس!