تحرص دولة الإمارات العربية المتحدة على رعاية النزلاء، وإعادة تأهيلهم بطريق إيجابي قويم، يسهم في تعزيز الجوانب المختلفة من شخصياتهم، وتوجيه سلوكياتهم ليكونوا أفراداً فاعلين في مجتمعهم. وتضع المؤسسات المعنية توجيهات القيادة الرشيدة نصب عينيها في الاهتمام بالنزلاء، ومدّ يد العون لهم، وتكفل لهم حقوقهم، من خلال وضع العديد من السياسات والإجراءات، التي تبدأ منذ دخول النزيل إلى المؤسسة وحتى خروجه منها، وذلك وفق مبادئ الشريعة الإسلامية المستمدة منها القوانين الوضعية في الدولة، والمبنية على قيم الرحمة، والإخاء، والعدل، والمساواة، واستناداً إلى القانون الدولي، ومبادئ حقوق الإنسان.
وانطلاقاً من هذه القيم النبيلة في إعادة تأهيل النزلاء وإصلاحهم، افتتحت شرطة أبوظبي، بالتعاون مع هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، قبل أيام، «قاعة المعرفة» في مبنى مديرية المؤسسات العقابية والإصلاحية. وهو مشروع تعليمي ذاتي يُعدُّ الأول من نوعه في المؤسسة للدراسة الجامعية، حيث يوفر آلاف الدورات الجامعية المجانية التي لا تحتاج إلى الاتصال عبر الإنترنت. كما يمكن للنزلاء الالتحاق بأكثر من 2400 تخصص في دورات جامعية ومراجع معتمدة من أفضل جامعات العالم، مثل جامعة أكسفورد، وجامعة كامبريدج، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وغيرها. ويتم منح النزيل شهادة الدورة والبرنامج بعد الإفراج عنه، واستكمال متطلبات منح الشهادة بحسب اشتراطات الجامعة، وذلك وفقاً لما أوضحه العميد ركن أحمد علي الشحي، مدير مديرية المؤسسات العقابية والإصلاحية بقطاع أمن المجتمع.
وفي ظل التعاون القائم بين المؤسسات الحكومية، ومؤسسات المجتمع الأخرى لدعم جهود الدولة، أسهمت هيئة الهلال الأحمر في رعاية المشروع بتقديمها الدعم المادي وشراء الأجهزة والكمبيوترات والبرامج و«السوفت وير» والكابلات وغيرها من اللوازم الفنية التي تتطلبها الدراسة، أو تحتاج إليها قاعة المعرفة. 
ومما لا شك فيه أن افتتاح قاعة المعرفة يبرز الجهود المتواصلة لدولة الإمارات في مجال رعاية النزلاء وإعادة تأهيلهم، ويؤكد أن تلك الجهود لا تقتصر على مجال البنية الأساسية، والخدمات الاجتماعية والصحية والنفسية التي تقدم للمحكومين الموجودين في المؤسسات المختلفة فحسب، بل تمتد لتشمل كذلك المشاريع التعليمية والثقافية التي تنمّي مهارات النزلاء، وتزودهم بالمعارف الواسعة، وهو ما يعكس بدوره الصورة الحضارية والإنسانية لأوضاع السجون داخل دولة الإمارات.
ويحظى نزلاء المنشآت العقابية والإصلاحية في شرطة أبوظبي برعاية واهتمام كبيرين، إذ توفر لهم الإدارة قاعة «السعادة»، التي تضم وسائل ترفيهية عدة، مثل ممارسة الألعاب الإلكترونية عبر أجهزة «البلاي ستيشن»، ومكتبات تحوي العديد من الكتب، لتعزيز ثقافتهم وتنمية معارفهم، وورشاً فنية لإبراز مواهبهم في الرسم والإبداع، إضافةً إلى الملاعب والصالات الرياضية المجهزة بأحدث الوسائل، لتنمية لياقتهم البدنية، وتفريغ طاقاتهم في مختلف الرياضات، وينخرط هؤلاء النزلاء في العديد من البرامج التدريبية التأهيلية، ومنها أعمال النجارة اليدوية، ويتم توظيفهم في مصنع «لوحات الأرقام» بمقابل مالي، وورش أخرى عدة في الأعمال الحرفية، ودورات تعليمية تنظم بالتعاون مع كليات التقنية العليا.
وباعتبار أنَّ المؤسسات العقابية في دولة الإمارات ليست ذات طابع انتقامي، ولكنها مؤسسات ذات طابع إصلاحي وتهذيبي، توفر وزارة الداخلية برنامجاً يؤهل النزلاء المواطنين لسوق العمل، بإدارة من كليات التقنية العليا، وهو متاح للنزلاء الذين تبقى لهم سنة أو سنتان من مدة الحكم الصادر عليهم. ويقدم البرنامجُ التدريبَ للسجناء، وفرص عمل عند قضائهم لفترة العقوبة.
والحاصل أنه وبالنظر إلى العديد من البرامج والأنشطة التي يتم تقديمها للنزلاء، باختلاف جنسياتهم وأعراقهم ودياناتهم، فإن المؤسسات العقابية في دولة الإمارات لها بالغ الأثر في تقويم سلوك النزلاء، وترسيخ السلوك السوي لديهم. ويعكس هذا الحرص البالغ في تحويل مؤسسات الإنفاذ العقابي (السجون) إلى مؤسسات للإصلاح والتهذيب مدى التزام دولة الإمارات بالمبادئ والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، التي تضمن صون كرامة النزلاء، وحفظ حقوقهم كبشر، وحتى يكون النزيل إنساناً نافعاً لوطنه ونفسه وأسرته، وإدراكاً منها أن معاملة النزلاء بإنسانية لا تعيق حفظ الأمن في تلك المنشآت التي وجدت لغرض التأهيل والإصلاح.

* عن نشرة «أخبار الساعة «الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»