قبل عام من الآن، بدأ فيروس كورونا ينتشر سريعاً في الصين. لكن اقتصاد الصين يعاود الانتعاش حالياً بقوة ويتوسع بأسرع مما كان عليه قبل الجائحة. وأظهرت بيانات اقتصادية نُشرت في الأيام القليلة الماضية أن الصين سجلت نمواً بنسبة 2.3% خلال عام 2020، لتصبح القوة الاقتصادية الوحيدة التي تنمو في عام أضر كثيراً بقطاعات واسعة من العالم. وفي الوقت الذي تكافح فيه دول ومنافسون جيوسياسيون آخرون، ابتداءً من الولايات المتحدة وأوروبا والهند وانتهاء باليابان، من أجل التصدي للموجة الجديدة من الجائحة خلال الشتاء الحالي، أنعش نجاحُ الصين في عملية احتواء الفيروس اقتصادَها وشجع مطالب داخل حزبها الشيوعي الحاكم للاضطلاع بقيادة عالم ما بعد كورونا. 
وفي إشارة إلى الكيفية التي استطاعت بها الصين سريعاً أن تعاود صعودها الاقتصادي، أعلن مكتب الإحصاء القومي أن الناتج المحلي الإجمالي ارتفع بنسبة 6.5% في الربع الأخير من عام 2020، مقارنة بنسبة 6% نهاية عام 2019 قبل أن تستشري الجائحة. ومع تنصيب جو بايدن رسمياً رئيساً للولايات المتحدة، ستجد إدارة الرئيس الجديد نفسها إزاء الصين التي لم تنل منها الجائحة ولم تزدها إلا صعوداً في القوة الاقتصادية والمكانة الدولية. وقد تبنّى الزعيم الصيني «شي جين بينج» نبرة قوية في كلمته لرأس السنة الجديدة حين أخبر شعبه أنه «فخور ببلده العظيم» وبالتضحيات وبالوحدة التي أظهرها في التصدي سريعاً لفيروس كورونا خلال إجراءات الإغلاق وحشد قوى عمال الصناعة والرعاية الطبية. 
وفي الأسابيع القليلة الماضية، أذاعت وسائل الإعلام المملوكة للدولة في الصين، كما أوضح وزير خارجية البلاد «وانج يي» لقادة العالم من ميانمار إلى الاتحاد الأوروبي وأيضاً للمستثمرين الدوليين، أن تعافي الصين السريع قد يساعد في تعافي باقي العالم. وقال «وانج» إنه في ظل قيادة «شي» ومن خلال دبلوماسيته التي استخدمت مكالمات الفيديو عبر الإنترنت، بثت الصين «الأمل في اقتصاد العالم ليخرج من الركود». ويرى «اسوار براساد»، الأستاذ بجامعة كورنيل والمدير السابق لقسم الصين في صندوق النقد الدولي، أن «اقتصاد الصين يواصل تقدمه بزخم ملحوظ تاركاً وراءه الاقتصادات الكبيرة الأخرى التي مازال معظمها يصارع لكنه يجد نفسه في حالة مزرية. ومع أدائها الاقتصادي البارز عززت الصين موقعَها باعتبارها محركاً أساسياً لما كان حتى الآن تعافياً اقتصادياً ضعيفاً». 
وأعلن مسؤولون صينيون في الأيام القليلة الماضية أن الصادرات وصلت قمة عالية جديدة بتسجيلها 2.6 تريليون دولار في عام 2020. ورغم الحرب التجارية المريرة مع الرئيس ترامب، سجّل فائض التجارة الصيني مع أميركا رقماً قياسياً بلغ 316.9 مليار دولار خلال العام المنصرم. وذكر مكتب الإحصاء أن التوظيف تعافى أيضاً مع نجاح الاقتصاد في توفير 11.86 مليون وظيفة أثناء العام نفسه. 
وكان الاقتصاد الصيني قد تراجع أثناء الربع الأول من عام 2020 حين أغلقت الصين ولاية هوبي وعاصمتها وهان وفرضت إجراءات إغلاق أقل صرامةً بالقياس إلى العديد من المدن الكبرى عبر البلاد. وتوقعت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية هذا الشهر أن تحقق الصين خلال عام 2021 نمواً بنسبة 7.8%، وهو معدل هائل يذكّرنا بنمو الصين الهائل في العقود السابقة. 
لكن لا شيء يضمن استمرار النمو الذي حققته الصين في نهاية عام 2020 إذا انتشرت حالات الإصابة بفيروس كورونا من جديد. لذلك تحاول الحكومة الصينية منع عودة انتشار الفيروس، حيث فرضت إغلاقاً على نحو 20 مليون نسمة من السكان في شمال الصين، بما في ذلك بعض المدن بالقرب من بكين بعد عمليات ظهور محدودة للفيروس. ورغم أن الإجراءات ستساعد في منع حدوث حالات جديدة من الخروج عن نطاق السيطرة، فإنها ستعرقل النشاط الاقتصادي، لاسيما في قطاعات مثل السفر والسياحة على المدى القصير. فقد ألغى المسؤولون الصينيون الاحتفال بالمناسبات العامة وحظروا التجمعات الكبيرة في المناسبات الاجتماعية مثل حفلات الزفاف، ونشروا لافتات في الشوارع ونظموا حملات دعاية تحث مئات الملايين من العمال على عدم العودة إلى ديارهم أثناء فترة الاحتفال بالعام القمري الجديد الذي عادة ما يسافر فيه مئات الملايين من العمال عبر البلاد لزيارة أسرهم. وفي ولاية هيبي الشمالية التي تحيط ببكين، رصدت السلطات 700 حالة تقريباً منذ بداية يناير في أكبر تصاعد للحالات منذ الربيع الماضي، فتصرفت بمقتضى الحال وضرورات منع التفشي.

جيري شيه*
 
*رئيس مكتب «واشنطن بوست» المؤقت في بكين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»