تباينت التوقعات قبل تنصيب الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة جو بايدن، وكانت في الغالب توقعات تُكرّس الأسوأ أمنياً وسط احترازات مشددة وسط العاصمة الأميركية واشنطن منذ بيان هيئة أركان الجيش الأميركي عن الجاهزية التامة في العاصمة، ونشر نحو خمسة وعشرين ألفاً من رجال الشرطة والحرس الوطني في أرجاء المدينة، حتى أصبحت واشنطن (دي سي) أشبه بالثكنة العسكرية. فهل حدث ما كان يتوقعه بعض المحللين في الصحف العربية، وبعض الصحف الغربية ومواقع التواصل الاجتماعي من فوضى أمنية وهجوم على مبنى الكابيتول (الكونجرس) أثناء التنصيب؟ أبداً فالمتابع الجيد للواقع الأميركي والمراقب الحصيف للشأن الأميركي، ومن شهد أحداث سابقة ومشابهة لحدث التنصيب في 20 يناير 2012 سيعلم يقيناً أن الفوضى أمر مستبعد وغير وارد في دولة المؤسسات والديمقراطية العريقة التي كتب دستورها المؤسسون الآباء 1781 وينفذها الأبناء (كإرث فخر) سيبقى ما بقيت هذه الإمبراطورية.
قبل ثلاثة أيام أدى الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن القسم في مبنى الكونجرس، المؤسسة الديمقراطية الأعرق في أميركا، والتي تم تشييدها عام 1793 واكتمل بناؤها بحلول عام 1865. وقد تم الإدلاء باليمين الدستوري في طقوس متعارف عليها أمام رئيس قضاة المحكمة الأميركية العليا، وعدد محدود من الضيوف، ثم ذهب سيراً على الأقدام مع عائلته الصغيرة ونائبته كامالا هاريس، وبعض أعضاء حكومته تحت حراسة مشددة، متجهاً إلى البيت الأبيض في أمان تام، وجموع لم تكن كما جرت العادة بكثافتها المعهود، في ظل الجائحة الصحية التي تخيم على العالم أجمع.
أما النقطة التي يجب التوقف عندها فهي أن هذه الترتيبات الأمنية التي لم تكن مسبوقة أثناء تنصيب أي رئيس سابق لم تكن لولا حادثة اقتحام مبنى الكونجرس في السادس من يناير الحالي من قبل أنصار الرئيس السابق ترامب، فحادثة كهذه كانت كافية لأن يضطلع كل مسؤول في المؤسسة السياسية والأمنية الأميركية بهذه الدقة الأمنية تحسباً لأي طارئ، وبخطة وقائية تسد كل الثغرات الأمنية المتوقعة وغير المتوقعة في حدث عظيم وكبير كحفل تنصيب الرئيس في دولة تضع الأمن على قائمة أولوياتها كمعيار لنجاح سياستها واستقرار الحياة فيها. فالخلل الأمني بمثابة الوصمة السوداء في تاريخها، وهذا ما تتجنبه السياسة الأميركية في الداخل، وما تسعى لتحقيقه، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر الشهيرة.
على غرار الجملة الشهيرة (مات الملك عاش الملك)، والتي كانت متداولة في أوروبا بين أباطرتها وملوكها في القرون الوسطى. فالواضح للمراقب بأنه لم يكن هناك فراغ بين مغادرة الرئيس السابق دونالد ترامب، وما زامنها من أحداث ومحاولات لشرخ السلطة وبين تولي الرئيس الجديد جو بايدن، فقد كان التكامل واضحاً بين المؤسسات الدستورية الأميركية لسد أي فراغ في انتقال السلطة، وتجنب أي فوضى تؤدي لذلك، وقد نجحت بالفعل هذه الترتيبات بشكل مذهل، لاسيما في ظروف كالظروف التي مرت بها الانتخابات، والتشكيك بنتائجها، وبالتالي محاولة الفوضى التي انتهت بالإدانة والاستنكار أثناء اقتحام مبنى الكابيتول.

الذي يهمنا بشكل أكبر في منطقة الخليج، ومنطقتنا العربية عامة هو التعاطي بشكل سلس بين دولنا وإدارة بايدن، وهذا ما لمسناه خلال تعهد وزير الخارجية الأميركي الجديد «أنتوني بلنكن» أمام الكونجرس بإشراك دول الخليج في أي مفاوضات نووية بشأن إيران في المنطقة، خلاف سياسة الرئيس «الديموقراطي» السابق أوباما، والذي كان يتعمد إقصاء دول الخليج من أي مفاوضات.
*كاتبة سعودية