بعد شهور من المفاوضات وصل فريق من الخبراء التابعين لمنظمة الصحة العالمية إلى مدينة ووهان الصينية، في مهمة علمية للكشف عن مصدر ومنشأ فيروس كورونا الحالي، وتحديد تفاصيل السيناريو الذي استطاع من خلاله القفز إلى البشر. لكن في ظل التوتر السياسي الذي أحاط بهذه الزيارة، على خلفية ترويج البعض نظرية غير مثبتة، مفادها أن الفيروس تم تخليقه في أحد المعامل البيولوجية المتقدمة، يتساءل البعض عن الجدوى والفوائد التي قد تعود على الجميع من هذه المهمة!
إجابة هذا السؤال تتلخص في ثلاثة أسباب رئيسية، لا تقتصر على فيروس كورونا فقط، وإنما تشمل أيضاً جميع أوبئة الأمراض المعدية، خصوصاً إذا ما كانت ناتجة عن فيروس أو بكتيريا غير معروفة سابقاً. السبب الأول هو أنه إذا تمت معرفة مصدر الفيروس، سواء أكان حيواناً أم غيره، فيمكن تفعيل الإجراءات الكفيلة بوقف استمرار انتقاله إلى البشر، ومنع هذا الانتقال مرة أخرى في المستقبل. أما السبب الثاني فيتعلق بمعرفة الميكانيزم الذي انتقل به الفيروس الحالي إلى البشر، من الخفافيش أو غيرها من الحيوانات، واستغلال هذه المعرفة في منع انتقال فيروسات أخرى من حيوانات مختلفة إلى البشر، وتجنب حدوث أوبئة مشابهة في المستقبل.
السبب الثالث والأخير، هو أنه إذا ما تم العثور على الفيروس، في شكله الأولي وقبل أن تمكنه التغيرات الوراثية من القفز إلى البشر، فسيساعد ذلك العلماءَ كثيراً على تطوير أدوية وعقاقير وتطعيمات أكثر فعاليةً وكفاءةً في علاج المرض الناتج، وتحقيق الوقاية منه من الأساس. ومما لا شك فيه أن تحقيق هذه الفوائد سيتطلب درجة كبيرة من التعاون والتنسيق بين العلماء الصينيين وبين بعثة الخبراء الدوليين، بعيداً عن التشنج الإعلامي، وعن محاولات البعض تحقيقَ مكاسب سياسية على الساحة الدولية.
وجدير بالذكر هنا أن الاعتقاد الشائع بأن الفيروس انتقل من الحيوان إلى البشر، لا يزيد على كونه اعتقاداً لا يوجد ما يدعمه علمياً حتى الآن، وحتى مكان ظهور الفيروس للمرة الأولى، وتاريخ ظهوره، لا زالا محل جدل وخلاف.

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية