اليوم تطوي الولايات المتحدة الأميركية صفحة مثيرة للجدل من تاريخها المعاصر، وتبدأ صفحة جديدة في كتابة التاريخ، ليس لأميركا وحدها ولكن للعالم. وقد يسأل البعض لماذا العالم؟ الجواب لا يخفى على العقلاء، فلأميركا تأثير واسع على كوكب الأرض، بسبب قوتها العلمية والعسكرية والاقتصادية والقانونية، إنها اللاعب الرئيس في السياسة العالمية، وقد نالت تلك المكانة عبر عصور من الإسهامات العالمية في مجالات حفظ التوازن بين الفرقاء في العالم، وخاضت من أجل ذلك حروباً طاحنة؛ من الحرب العالمية إلى فيتنام قديماً، وحرب أفغانستان والعراق حديثاً.
كلنا يدرك أن الرئيس الأميركي بايدن يمثل حزباً يتقاطع مع الحزب «الجمهوري» في تحقيق الحلم الأميركي وضمان مكانة أميركا في العالم، بيد أن هذا الاتفاق مع من سبق في المصلحة الكلية لأميركا يختلف الحزبان تاريخياً في الوسيلة أو الطريق الذي يوصل لتلك النتيجة. فلكل رئيس خططه الاستراتيجية وأساليبه التنفيذية ومبدأ تداول السلطة.. إنما يؤثر في الوسيلة، وليس في الهدف العام، فشعار أميركا أولاً قد يعني عند البعض هدم الدول الأخرى كي تحقق أميركا هدفها، وقد يشير نفس الهدف إلى بناء منظومة من التعاون مع الغير لتحقيق مبدأ أميركا أولاً.
سياسة بايدن ستختلف من حيث الخطط التنفيذية مع ما قام به الرئيس ترامب، لكن السؤال المحوري هذه الأيام: هل سيجدد الرئيس بايدن سياسة رئيسه السابق «الديمقراطي» باراك أوباما؟ من قاده عقله إلى الإجابة بنعم على ذلك السؤال لا يدرك حقيقة السياسة الأميركية، وكيف أن لكل رئيس خطواته التي يرسم بها مستقبل أميركا. عندما كان الرئيس بايدن نائباً للرئيس أوباما كان يمثل بحكم منصبه الظل الذي يتحرك مع القائد، بيد أنه اليوم أضحى قائداً بنفسه ومن حقه أن يرسم خطواته التنفيذية حسب ما يراه مناسباً، لماذا أقول إن الرئيس بايدن لن يستنسخ تجربة الرئيس باراك أوباما؟ من يقرأ نفسيات وعقليات الطاقم الاستشاري المحيط بالرئيس بايدن، ومن يتأمل في الأسماء التي رشحها الرئيس بايدن للمناصب الوزارية والقيادية لحكومته، يدرك بما لا جدل حوله أنه سيكون مدرسة مختلفة عن الرئيس الأسبق باراك أوباما. لقد استفاد من تجربته السياسية الطويلة في المجالس التشريعية ودوره السابق في الجهاز التنفيذي. وبسبب هذا التاريخ في تصوري سيكون لأميركا صفحة جديدة داخلياً ودولياً، سترجع أميركا لإصلاح علاقاتها مع المنظمات الدولية والاتفاقيات العالمية، لكنها ستركز أكثر على تطوير الداخل الأميركي، كما هو شأن «الديمقراطيين» تاريخياً.
العقلاء حول العالم بدوا في بناء تصوراتهم في كيفية الاستفادة من هذه الصفحة الجديدة للحكومة الأميركية، ودول الخليج متميزة وحكيمة كعادتها في التعاون والتعامل مع الإدارات الأميركية المختلفة، لكن الإنسان ليأسف للتطرف الذي صاحب فوز بايدن بالرئاسة من قبل التيارات الإسلامية، فمن يقرأ كتاباتهم يتصور أن الذي فاز هو المهدي المنتظر عندهم، وهذا إنْ دل على شيء، فإنما يشير إلى ضحالة مستوى التفكير الاستراتيجي لدى هذه الأحزاب التي توسم نفسها بالإسلامية.
*أكاديمي إماراتي