خصص قانون الإغاثة من فيروس كورونا البالغ قيمته 900 مليار دولار، 40 مليون دولار لتقديم «مساعدات غير فتاكة لتحقيق الاستقرار» في سوريا، شريطة عدم استخدام أي منها لتقوية إيران وميليشياتها أو الحكومة السورية. هذا التفصيل لواحد من أهم التشريعات الأميركية الأخيرة يوضح المعضلة الأميركية بشأن سوريا والتي سترثها إدارة بايدن الجديدة قريباً.
لقد تسببت سنوات من الإهمال في أن يكون للولايات المتحدة نفوذ محدود للغاية، لكن سوريا لا تزال مركزاً لثلاثة مخاوف رئيسية: مكافحة زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، واحتواء الهيمنة الإيرانية، ومحاربة الجماعات الإرهابية التي لا تزال موجودة مثل «داعش» و«القاعدة». 
لم يفهم الرئيس باراك أوباما أهمية سوريا. وزاد الرئيس دونالد ترامب الأمور تعقيداً بمحاولته سحب جميع القوات الأميركية من سوريا، وبعد إخباره بأن الجنود سيُطلب منهم تأمين حقول النفط السورية، وافق على وجود محدود، وبالتالي الحفاظ على بعض النفوذ الأميركي.
وعلى مدى عقد من الزمان، أكد المشككون أن الوقت قد فات لتحقيق أي شيء في سوريا. لكن هذا لم يكن صحيحاً أبداً. ما هو مطلوب هو أرضية مشتركة بين الأهداف شديدة الطموح والمخاطر التي يمكن تجنبها، وهي استراتيجية تركز على تجميع إنجازات محدودة.
هذا لا يتطلب الكثير من القوات الأميركية على الأرض، ولا حتى أي قوات إضافية. لكنه يتطلب إعادة ارتباط أميركي قوي مع سوريا بأهداف واضحة: إضعاف قبضة الدكتاتورية، والضغط على إيران ووكلائها لإخراجهم من البلاد، ومنع تركيا من سحق حلفاء الولايات المتحدة المخلصين المناهضين للإرهاب.
يجب أن يواصل بايدن الضغط على حكومة دمشق من خلال العقوبات. وتنص عقوبات «قانون قيصر» الذي دخل حيز التنفيذ هذا العام على أنه لا يمكن متابعة إعادة الإعمار وإعادة الإدماج الدولي لسوريا في ظل حكومة الأسد. هناك مجال لفرض عقوبات أكثر صرامة ضد المقربين من النظام والمؤسسات والشركات.
لكن يجب أن تحقق العقوبات هدفها دون معاقبة أو إضعاف المجتمع السوري. يمكن تحقيق ذلك من خلال تقديم المساعدات الإنسانية حصرياً عبر الكيانات التي لا تتلاعب بها أي جهة، وتركيز المساعدات في المناطق التي لا تخضع لسيطرة السلطة السورية.
ينبغي ألا يقلل بايدن من الوجود الصغير للقوات الأميركية في سوريا. فهذه القوات شديدة التركيز هي من العوائق القليلة المتبقية أمام إنشاء ممر عسكري تسيطر عليه إيران يمتد عبر شمال الشرق الأوسط، من إيران إلى لبنان على شاطئ الأبيض المتوسط. كما تلعب هذه القوات دوراً حاسماً في مكافحة الإرهاب. لم تُهزم تنظيمات «داعش» و«القاعدة» بعد، وما زالت طموحاتهما تتمركز في سوريا.
على الولايات المتحدة إعادة إشراك العملية الدبلوماسية مع اللاعبين الخارجيين الآخرين. ويجب أن تكون الأهداف هي عزل الجماعات الإرهابية ومنع ظهورها مرة أخرى، والتأكد من أن إيران ووكيلها اللبناني («حزب الله») لا يبرزان كفائزين رئيسيين من الحرب السورية.
كانت روسيا تعمل بالشراكة مع إيران في سوريا، لكن منذ أن هدأ الجزء الرئيسي من الحرب الأهلية، بعد سقوط حلب في أيدي القوات الموالية للحكومة السورية أوائل عام 2017، وجدت موسكو وطهران نفسيهما تسعيان لتحقيق أهداف مختلفة، وأحياناً متناقضة. تسعى موسكو لتحقيق الهدوء في المناطق السورية التي تهتم بها، لتأمين قواعدها العسكرية والحفاظ على العلاقات المتنامية مع دول الخليج وإسرائيل، بينما تتبع إيران مسار المواجهة الأوسع، معتبرةً سوريا ولبنان أصولاً في أجندتها لتوسيع نفوذها الإقليمي من خلال تأجيج المواجهة.
وينبغي أن يكون أحد الأهداف الرئيسية المبكرة لواشنطن هو إقناع روسيا بأن مكاسبها في سوريا مهددة من قبل الأجندة الإيرانية الأوسع في المنطقة، حيث تريد طهران السيطرة السياسية الكاملة وليس النفوذ المشترك مع موسكو. الأسد نفسه ليس حريصاً على أن يكون تحت سيطرة إيران و«حزب الله»، ويفضل أن يكون حليفاً لروسيا في المقام الأول. إن الأهداف الروسية محدودة ولا تتعارض مع أجندة الأسد، بينما تطالب إيران بالمزيد منه وتنظر إلى سوريا على أنها ساحة معركة محتملة مع إسرائيل والقوى الإقليمية الأخرى.
لا تشترك واشنطن وموسكو في العديد من الأهداف في سوريا، لكن هناك بعض المجالات المهمة المشتركة، بما في ذلك محاربة تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، وتسريع خروج إيران. هذه الأهداف مشتركة مع الأسد أيضاً، لذا فإن إحراز تقدم على تلك الجبهات ممكن حتى مع بقاء حكومة دمشق معاقبةً وموصومةً.
وأخيراً ينبغي أن تكون واشنطن واضحة للغاية مع تركيا بأن هناك حدوداً لأجندة أردوغان للهيمنة في سوريا. وسيحسن بايدن صنيعاً لو يجدد التزامه مع الحلفاء الأكراد الذين قاتلوا ضد «داعش» واستهدفهم الغزو التركي في الشمال السوري. وعليه أن يوضح أنه بينما تدرك الولايات المتحدة حاجة تركيا لحماية أراضيها، فهي ليست حرة في احتلال أجزاء كبيرة من سوريا إلى أجل غير مسمى أو مهاجمة حلفاء أميركا دون عقاب. يتطلب الحد من المغامرات التركية في سوريا وشرق البحر المتوسط وليبيا وأماكن أخرى إرسال رسالة قوية لأنقرة مفادها أنها يجب أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تظل شريكاً للولايات المتحدة وعضواً في «الناتو». إن إعادة تسليح ودعم «قوات سوريا الديمقراطية» أمر أساسي لتحقيق ذلك، ولجميع أهداف الولايات المتحدة تقريباً في سوريا.

حسين إيبيش
باحث بارز مقيم في معهد دول الخليج العربي في واشنطن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»