كأن سلالة «كوفيد-19» خصبة في الإنجاب، ولّادة، ترفض أن يزول أثرها، فتنوع «أجنتها» من كورونا الأول إلى الثاني، وهناك الثالث.. وهي طبيعة الفيروسات؛ متى وُجدت تبقى عكس الميكروبات التي تموت بعد معالجتها. لذلك يظهر جيل جديد من فيروس كورونا في اليابان، وينتشر في البرازيل، ثم يظهر جيل آخر في بريطانيا.. وصولاً إلى لبنان.
إنه خاطف وسريع كأجداده، لا يرحم، لا يتمظهر، إنه القاتل «المخفي» في الرذاذ، أو على الأشياء الصلبة.. يتغلغل إلى داخل الجسم، من الرئتين، إلى القلب إلى العدم.
لكن من أين يستمد كل هذه الخصوبة الفائقة، المتواترة، ليغزو كل جهات المعمورة، بلا كلل ولا ملل؟
هذا الوباء لم تلده الأشجار، ولا الجدران، ولا الأفكار، بل كما البذور، ينزرع في الأجساد الآدمية، ثم يخرج منها باحثاً عن أجسام أخرى، بشرية أو حتى حيوانية. من الشهيق إلى الزفير، وبينهما يبني أعشاشه، ونقطة قوته «التقارب» البشري، عناقاً أو تلامساً أو تراخياً في التطهير والتعقيم والتباعد وارتداء الكمامة. تبدو هذه الدفاعات للوهلة الأولى سهلة (التباعد، غسل اليدين، وضع الكمامة.. إلخ)، لكنها من نوع «السهل الممتنع» الذي يجافيه الناس. 
وكأن الموت بالوباء نوعٌ من الشهادة، أو كأن لبعضهم «استثناءه» تمتعاً بمناعتهم، فتزول بلمسةٍ أو تنفس!
لكن، إذا أردنا التوقف ملياً، نجد أن رفض التزام الشروط الغيبية لمواجهة كورونا، نجد كأنما هناك نوازع لا واعية أو مُستبطنة للانتحار، تكمن في أعماق الناس، أي في قعر نفوسهم وأفكارهم، وهم يموهونها أو لا يسبرونها. هذه النوازع لا تقتصر على المستهترين، بل على أطياف أخرى متنوعة تحمل فيروس الانتحار نفسه. فماذا يميز هؤلاء العابثين في مسألة كورونا، عن بعض مرضى القلب الذين يمنعهم الطبيب عن التدخين فيصرون عليه؟ إنه انتحار بالتدخين، التلذذ بالتدخين هو التلذذ بالموت. وماذا يميزهم عن الذين يتعاطون المخدرات القوية بلا وازع ولا رادع، أو المتهورين بقيادة السيارات أو الدراجات تلذذاً بالقيادة السريعة؟! إنهم جميعاً ينتحرون! كل من هؤلاء يغني على ليلاه وانتحاره. فعندما نقرأ في الصحف أن موجة جديدة من كورونا تجتاح العالم، نحس أن العبارة ضيقة، ويمكن القول إن موجة جديدة من الانتحاريين تتجسد في وباء كورونا تجتاح العالم. كورونا لا يتناسل وحده، يحتاج إلى أجسام، وها هي أجسام الممانعين تلبي رغباته.
وللمرة الرابعة تعلن حالة الطوارئ الصحية في لبنان، بإعلان الإقفال العام.. ومنع التجول.. بسبب ارتفاع معدلات الإصابات بكورونا إلى مستويات ضاقت بها المستشفيات الخاصة والعامة (الإصابات اليومية بالألوف!). مثل باقي الدول الموبوءة، وفي محاولة لمنع الناس من الانتحار بكورونا، سعت الدولة لمنع الآلاف من الاحتفال بأعياد رأس السنة متجاوزين كل وقاية، تقارباً ورقصاً وعناقاً.
ونظن أن إجراءات الإغلاق قد تؤدي إلى تراجع في أعداد المصابين، لكن ليس حصرها، بل إنه رغم «الحجر» فسنكتشف أن هذه الخطة لم تقنع أعداداً كثيرة من الناس! أي لم تقنع هؤلاء الذين تكمن في أعماقهم النوازع الانتحارية!
وربما لذلك السبب، صرّح البابا فرانسيس قبل أيام من الآن بأن مَن لا يتناول اللقاح ينتحر، واضعاً بذلك إصبعه على مكان الجرح.