في عام 1941 تسببت غارة يابانية على ميناء بيرل هايبر في تحول مسار الحرب العالمية الثانية. وما كان غرضاً تكتيكياً لليابانيين تحول إلى غضب أميركي انتهى بإسقاط القنابل الذرية على اليابان لإرغامها على الهزيمة العسكرية، كما تكررت ردة الفعل الأميركية ذاتها بعدما استهدف تنظيم «القاعدة» سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا 1998 وكانت الضربات الأميركية قاسية على أفغانستان والسودان بهجمات صاروخية بعيدة المدى، وتكررت ردة الفعل الغاضبة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، والتي انتهت بغزو أميركي للعراق وأفغانستان.
هذه السياقات التاريخية لحوادث غيرت بشكل أو بآخر مجريات التاريخ ارتبطت بردة الفعل الأميركية، بعد أن ينال من كبريائها، وهذا الذي يجب أن ينظر إليه بعد أن اقتحم مؤيدو الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب مبنى الكونجرس في العاصمة واشنطن، فهذه واحدة من الحوادث التي مست الكبرياء الأميركي، ولطخت وجه الديمقراطية الأميركية، كما دنست قدسية الكونجرس كرمزية أميركية ظلت شاخصة على مدار عقود زمنية متوالية.
الصراع بين الحزب «الجمهوري» والحزب «الديمقراطي» لن ينتهي بخروج ترامب من البيت الأبيض، بل سيتواصل، وإنْ تداعت جدران الحزب «الجمهوري» بصورة غير مسبوقة في القرن الأخير على الأقل، لكن هذا الصراع الثنائي يظل صراعاً أميركياً داخلياً لن يؤثر في ما تختزنه الذات الأميركية بجناحيها «الديمقراطي» و«الجمهوري» من غضب واحتقان، وأيضاً غليان لن يتوقف بغير تنفيس وإفراغ لحالة التشنج الأميركية التي ستقتضي عملية عسكرية خارجية تعيد للذات الأميركية كبرياءها المطعون في ديمقراطيتها المراقة على أعتاب الكونجرس.
جو بايدن ليس مجرد رئيس أميركي بالنسبة للتاريخ الأميركي على الأقل، بل شخصية عليها أن ترمم كبرياء الإمبراطورية الأميركية لتستعيد روحها وقدرتها الطاغية على فرض سطوتها العالمية. وأمام جملة التحديات والصعوبات، على الإدارة الأميركية الجديدة أن تضع في اعتباراتها أنها أمام شعور بالانكسار، وهي حالة مرفوضة في النمط الأميركي منذ الاستقلال، مما يعني أن بايدن سيكون محاسباً أمام التاريخ إنْ تأخر أو تقاعس في استعادة ما أريق من كبرياء، وكلما استطاع مع إدارته الإسراع، فإنه سيكون أكثر قدرة على فرض السياسات الأميركية على الداخل والعالم.
إيران وتركيا وكوريا الشمالية وحتى روسيا ملفات سياسية ستكون تحت دوائر الضغط الأميركية بعد السنوات «الترامبية» الأربع التي شهدت مداً وجزراً، وإنْ كان الإيرانيون أكثر الذين عرفوا المعاناة السياسية من حقبة دونالد ترامب الذي خرج من البيت الأبيض مجبراً خلفه على التعامل بسياسات صارمة حتى مع القبول بالتفاوض مجدداً على اتفاق نووي جديد، لذلك فإن الضغط لن يتغير سريعاً، بل قد يزداد لتفريغ الغضب الأميركي على حساب إيران أو تركيا، التي توعد رئيسها بايدن في حملته الانتخابية.
تقليدياً، تتمثل الضربات العسكرية ضمن عقيدة الحزب «الديمقراطي» في هجمات على كيانات وشخوص لهم ارتباطاتهم بالإرهاب، كما فعلها باراك أوباما بتصفية زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن وكذلك بيل كلينتون من قبله، بعد ما استُهدفت المدمرة (يو إس إس كول) في خليج عدن. غير أن المفترض أن هذه العقيدة تتعامل مع حدث غير تقليدي يتطلب شكلاً من التغيير النمطي المختلف، الذي يعيد للولايات المتحدة اتزانها الداخلي وهيبتها الخارجية وتقاليدها القائمة، كمعقل حصين للديمقراطية بكل القيم والمبادئ الليبرالية التي تمتاز بها أميركا وتخوض بها الحروب والمعارك وتلتزم بحمايتها كقيمة حضارية من غير الممكن تجاوزها.
أطلق الفنان المصري محمد صبحي في أحد أعماله المسرحية لقب (أمنا الغولة) على الولايات المتحدة، وتبدو «أمنا الغولة» غاضبة للغاية، وتتميز من الغيظ، وكل خصومها يتلمسون رؤوسهم. فالكل يدرك أن هذا الغضب سيكون له من تنفيس، ولو على حساب من لا علاقة له بغضب «الأم الغولة»، ومع تشكل الأسئلة في منْ سيدفع الثمن، فإن الأهم ألا يكون تنفيس الاحتقان بخلق أزمات دولية تضاف لأزمات خانقة تسود العالم.
*كاتب يمني