تمكّنت دولة الإمارات العربية المتحدة من اعتماد سياسة اقتصادية ناجحة تقوم على التنوع والمرونة والابتكار، بما يعزز التنافسية ويزيد من مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما انعكس على تنامي مساهمة قطاع التجارة في الاقتصاد، وعزز من تقليص اعتماد الدولة على النفط بوصفه القطاع الرئيسي للصادرات. وبحسب البيانات الصادرة عن المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، فقد بلغت قيمة التجارة الخارجية للدولة من السلع غير النفطية 1.033 تريليون درهم، خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2020، وهو ما عكس قدرة الدولة على مواصلة زخم نشاط التبادل التجاري مع العالم، خلال العام الماضي، الذي شهد تباطؤاً في اقتصاديات العالم ناجماً عن سياسات حكومات الدول في مواجهة جائحة «كورونا»، وخصوصاً الإغلاقات المؤقتة التي فُرضت منذ مارس الماضي.
وفي التفاصيل، شهدت دولة الإمارات نشاطاً في تجارة الصادرات (التصدير وإعادة التصدير) تفوقت فيه على الواردات خلال شهر سبتمبر الماضي وحده، بقيمة بلغت 76.35 مليار درهم. وبخصوص الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، بلغت قيمة الواردات نحو 572.888 مليار درهم، ووصلت قيمة الصادرات إلى 191.322 مليار درهم، وإعادة التصدير إلى 269.104 مليار درهم، ما يشير إلى مكانة الدولة كبوابة للتجارة، وريادتها كمركز إقليمي لتجارة إعادة التصدير في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما تؤكده تقارير صدرت سابقاً عن وزارة الاقتصاد، أفادت بأن الدولة تتبوأ مكانة رائدة إقليميّاً وعالميّاً في التجارة السلعية، بحلولها في المرتبة الأولى عربيّاً ضمن قائمة أهم 20 دولة مصدرة في العالم، والمرتبة الثالثة عالميّاً في إعادة التصدير، وضمن قائمة أهم 20 دولة في الواردات عالميّاً.
كل تلك البيانات تعطي دلالة كبيرة على مواكبة حركة التبادل التجاري للسلع غير النفطية في دولة الإمارات للمتطلبات الدولية بخصوص النظام العام، الذي يتضمن التجارة المباشرة وتجارة المناطق الحرة وتجارة المستودعات، وهو ما يؤكد تميز الفلسفة التي قامت عليها التجارة في الدولة، وهي الفلسفة القائمة على تحقيق اقتصاد تنافسي على مستوى العالم، ومتنوع ومبني على المعرفة والابتكار بقيادة كفاءات وطنية، وتنويع الأنشطة الاقتصادية، وتهيئة بيئة مشجعة لممارسة الأعمال الاقتصادية، وتشجيع الاستثمار، وتعزيز قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، دون إهمال قيم وممارسات حماية الملكية الفكرية وحقوق المستهلك، وفئات المتعاملين كافة، وفقاً لتشريعات اقتصادية وأنظمة عمل مرنة ومستدامة.
وانضمام دولة الإمارات إلى منظمة التجارة العالمية في عام 1996، وعضويتها في اتفاقية تيسير التجارة بعد أن صادقت عليها في عام 2016 في إطار المنظمة، لتكون أول دولة عربية تعلن مصادقتها على هذه الاتفاقية الدولية، يعدّ بمنزلة عنصر داعم لتوجهات الدولة في تيسير التجارة عبر الحدود، من خلال تبسيط الإجراءات الحدودية والمتطلبات الإدارية وتوفير المعلومات والإجراءات الإلكترونية، وليشكل ذلك كلّه مظهراً من مظاهر اهتمام الدولة بقطاع التجارة الخارجية، الذي أتاح لها دعم مشاركتها في القطاع، والحصول على الفرص التي يتيحها النظام التجاري العالمي بشكل متواصل، وتعزيز انفتاحها الاقتصادي، وانخراطها أكثر في كل مخرجات العولمة التي تتجسد في تنمية التجارة الحرة واقتصاد السوق والمنافسة العادلة في الأسواق الإقليمية والدولية.
كما تحرص دولة الإمارات ولأجل تعزيز قطاعها التجاري غير النفطي، على ترسيخ مبادئ الاستدامة وتحقيق متطلباتها الاجتماعية والبيئية في كل الأنشطة الاقتصادية، فضلاً عن تعزيز التعاون والتكامل بين القطاعات الاقتصادية، وتعزيز تنافسية الدولة في الأسواق التجارية الخارجية وتطوير علاقاتها مع دول العالم، بما يخدم مصالحها ويهيّئ البيئة المحفزة لنمو الاقتصاد الوطني وتنميته، ويعظّم التصدير عبر تحديث تشريعات اقتصادية وسياسات تجارية خارجية تنمّي من خلالها الصناعات والصادرات الوطنية، وتعزز مفاهيم وممارسات الحوكمة والشفافية والإدارة الرشيدة، وتحقق التوافق مع المواثيق والاتفاقيات الإقليمية والدولية ومع المتطلبات العالمية الأحدث في التطوير المنشود.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية