يقال بأن النظام الانتخابي الأميركي من أعقد الأنظمة مقارنة بنظيراته في المحيط الديمقراطي العالمي، وسوف أُبسط هذا التعقيد في مختصر لعله يفيد.
أميركا الدولة الوحيدة التي تجري انتخاب الرئاسة والكونجرس وحكام الولايات وكذلك المجمع الانتخابي في وقت واحد، والقول الفصل في انتخاب الرئيس ليس للشعب، بل لأصوات المجمع الانتخابي.
الآن، أين مشكلة ترامب الذي لا زال مصراً على فوزه، على الرغم من التصديق على فوز بايدن بفارق لا يقل عن عشرة ملايين صوت؟ ترامب يتعامل مع السياسة بأسلوب المغامرة لأنه لعبة يجيدها منذ نشأته المبكرة، ولا يرضى فيها بالهزيمة، ولكن في السياسة لا مجال للمقامرة، وإن كان فيها شيء من المغامرة وجزء من والمؤامرة وكثير من فن الممكن عبر مراكز الأبحاث والدراسات، وهي بمثابة حكومة الظل في إدارة شؤون الدولة العميقة. لرئيس الولايات الأميركية صلاحية تعيين قرابة 4000 موظف في حكومته باختلاف درجاتهم الوظيفية، ومن حولها حوالي 2000 عضو في حكومة الظل الفاعل في اتخاذ القرارات المصيرية للدولة، ويساند ذلك عسكرياً ما يقرب من 4000000 جندي وهو الجيش الأضخم في العالم.
وفوق كل ذلك، لا بد من إدراك موقع المال من الإعراب الأميركي، وبنظرة ثاقبة ينبغي لنا أن نتوقف أمام الشركات الأميركية العملاقة، وحجم مبيعاتها الذي يمثل 25% من الناتج العالمي.
ويطرح الاقتصادي الأميركي «كينيث جالبرايث» مجموعة أرقام لتقريب الصورة فيذكر: بأن مبيعات خمس شركات أميركية هي (جنرال موتورز - وول مارت - وإكسون موبايل - وفورد - وديملر كرايزلر) تتجاوز الناتج القومي لـ 182 دولة في العالم. وأن دخل شركة «إكسون» للبترول يفوق دخل دول «الأوبك» مجتمعة. وأن شركة «جنرال موتورز» أكبر من الناتج القومي لـ«الدنمارك»، وشركة «ديملر كرايزلر» أكبر من «بولندا»، وأن شركة «بكتيل» للمقاولات أكبر من إسبانيا، وأن شركة «شل» أكبر من «فنزويلا» وأن شركة سوني أكبر من «باكستان».
رغم كل ذلك أراد ترامب المقامرة بمستقبل أميركا وإلحاقها بالعالم الثالث، وصدق البعض في العالم «الرابع» هذا الظن السيئ.
يقول ترامب في إحدى تغريداته: «الولايات المتحدة محرجة من الحمقى. عمليتنا الانتخابية أسوأ من تلك التي في دول العالم الثالث!». 
هذا، والعالم أجمع يدرك بأن أميركا قد ودعت العالم الثالث منذ أكثر من قرنين، وبعد صندوق «مارشال» أصبحت القوة الأولى والعظمى في العالم بلا منازع.
لم نسمع في تاريخ الولايات المتحدة عن حاكم مستفرد بالتحكم بمصير الشعب، لأن المؤسسة هي الحاكمة الفعلية والرئيس لديه مهام تنفيذية لا يطول أمده إن استبد لأكثر من فترتين رئاسيتين. 
هناك مكابح شعبية في مواجهة الحاكم الفرد، يصعب على أي رئيس أميركي أن يفلت من قبضتها مهما كانت منجزاته الوطنية صارخة أو العالمية باهرة.
الشعب، الدستور، القانون، الكونجرس، مجلس الشيوخ، القضاة الفيدراليون، المجمع الانتخابي، صناديق الاقتراع وكافة وسائل الإعلام. كل هذه الأدوات السلمية لضبط السلوك الديكتاتوري لأي رئيس يضع مطالب الدولة العميقة خلف ظهره. من قبيل ذلك ما طالب به «جيرولد نادلر»، رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب، عن تأييده إجراء محاكمة برلمانية لدونالد ترامب وإقالته من منصبه.
وهذا ما جعل من رئيسة مجلس النواب وزعيم الأقلية «الديمقراطية» بمجلس الشيوخ يؤكدان أن مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، لم يرد على طلب تفعيل المادة 25 من الدستور لعزل ترامب. هذا لأن «بنس» يملك الصلاحية الدستورية لعزل ترامب دون إراقة المزيد من الدماء، وكذلك حفاظاً على عدم إراقة ماء وجه ترامب.
ويكاد يصبح «العزل» شبه إجماع في الوسط السياسي «الجمهوري» و«الديمقراطي» بصقورهم وحمائمهم.