منذ بداية انتشار وباء فيروس كورونا الحالي، ترافق معه، بل سبقه أحياناً، وباء آخر من الشائعات والمعلومات الخاطئة والأكاذيب الفجة. ومع بلوغ العالم مرحلة التطعيمات، واعتماد استخدام بعضها في العديد من دول العالم، أصاب وباءُ الأكاذيب جهود التطعيمات أيضاً.
وتكمن خطورة تلك الشائعات والأكاذيب في أن الكثيرين يدفعون حياتهم ثمناً لها. فعلى سبيل المثال، وحسب دراسة نشرت في إحدى الدوريات الطبية المرموقة (American Journal of Tropical Medicine and Hygiene)، لقي أكثر من 800 شخص حتفهم، وتدهورت الحالة الصحية لنحو ستة آلاف آخرين لدرجة تطلّبت حجزهم في المستشفيات، خلال الشهور الثلاثة الأولى فقط من الوباء، نتيجة الشائعات والاعتقادات الخاطئة التي كان يتم تداولها حينها. ومثل الاعتقاد بأن شرب مركب «الميثانول» أو سوائل التنظيف المحتوية على الكحول، يمكن أن يقي من الإصابة بالفيروس.
وعلى المنوال نفسه، شهدت الآونة الأخيرة تطاير وتفاقم وتضاعف انتشار الأكاذيب والشائعات عن التطعيمات، التي تعَد الأمل الوحيد حالياً أمام الجنس البشري لدحر هذا الوباء. وهو ما دفع تحالفاً مكوناً من كوكبة من وسائل الإعلام العالمية، كهيئة الإذاعة البريطانية ووكالة رويترز وجريدة «الواشنطن بوست».. إلخ، بالترافق مع عمالقة ثورة المعلومات مثل جوجل ومايكروسوفت وفيسبوك وتويتر.. إلخ، للإعلان عن النية لمُضافَرة جهودهم لمكافحة الوباء الذي أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية «وباء الأكاذيب» (Infodemic).
هذا التحالف، والذي كان قد أنشئ سابقاً تحت اسم مبادرة «مصادر الأخبار الموثوقة» (Trusted News Initiative)، كان يهدف في بدايته إلى مكافحة الأكاذيب والشائعات التي أحاطت حينها بالانتخابات الرئاسية والتشريعية في الدول الديمقراطية.
لكن في ظل استغلال بعض أصحاب النفوس المريضة لوسائل التواصل الاجتماعي بمختلف منصاتها، لزرع الريبة والشك في نفوس العامة، أخذ تحالف مصادر الأخبار الموثوقة هذا على عاتقه دحض تلك الأكاذيب والشائعات، وتوفير المعلومات والأخبار الصحيحة والموثقة لجميع أفراد المجتمعات البشرية.
وللأسف، لطالما أحاطت الشائعات والأكاذيب بالتطعيمات الطبية، حتى قبل ظهور الوباء الحالي، على الرغم من أنها إحدى أهم اكتشافات الطب الحديث برمته، وإحدى أفضل السبل المتاحة لإنقاذ حياة الملايين من الأشخاص، وخصوصاً الأطفال، وهي الصفات والفوائد التي ستؤدي تلك الأكاذيب والشائعات لتقويضها وهدمها، ليدفع الملايين حياتهم ثمناً لها.

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية