يشهد سوق العمل تغيرات مستمرة وتحولات تقود مستقبل الوظائف حول العالم نحو التطور والتغيّر، وذلك بفعل التقدم التكنولوجي الهائل الذي فتح آفاقاً جديدة لفرص تعلّم وعمل لم تكن موجودة من قبل، وتحديداً في مجالات الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والأتمتة، والبيانات الضخمة وتحليل البيانات. كما ظهرت، وبفضل المساعي الرامية إلى المواءمة بين التعليم وأهداف التنمية المستدامة في مواجهة التحديات المستقبلية المرتبطة بالتغير المناخي وندرة الموارد، أنواع جديدة من الوظائف، تدعى «الوظائف الخضراء»، لاسيما في مجالات الطاقة البديلة وإدارة النفايات وإعادة التدوير، إلى جانب الوظائف ذات العلاقة بالتغيرات الحاصلة في الاقتصاد والأعمال التي ترتبط بالعولمة والاقتصاد التشاركي والتحول نحو نظام العمل المرن.
ولأن التحديات تغيّرت والأولويات اختلفت، فقد بات تطوير النظام التعليمي في كل دول العالم ضرورة حتمية، ليتناسب مع التطلعات والمهارات المستقبلية المطلوبة، عبر اعتماد تقنيات تعليم أكثر تطوراً، واستحداث تخصصات جامعية تلبي متطلبات وظائف المستقبل بشكل أكثر تخصصية، والتركيز على تطوير الطاقات البشرية والمواهب بما يتلاءم مع وظائف الغد ويتناسب مع مستقبل الاقتصاد وسوق العمل، من خلال تزويد القوى البشرية بالمعارف والمهارات المطلوبة، وخاصة في ظل انتشار جائحة «كورونا» التي لفتت النظر إلى ضرورة التركيز على تخصصات صحية وطبية بعينها، والاهتمام بتطوير المنظومة الصحية في الدول كافة، بما يسرّع التعامل مع الفيروس ويستخدم في مواجهته آخر التطورات العلمية والتقنية في الفحوص والعلاج واللقاحات، إضافة إلى بروز قطاعات اقتصادية بعضها تراجعت فاعليته وبعضها برز بشكل كبير وتنامى.
ويُنظر إلى إبرام الشراكات بين مؤسسات القطاعين، العام والخاص، في دولة الإمارات والتعاون مع المؤسسات الأكاديمية للتنسيق بشأن إجراء مسح لاحتياجات سوق العمل الحالي والمستقبلي ومتطلبات التعليم الأساسي والجامعي، على أنه أحد أبرز الآليات اللازمة للخروج بحلول مبتكرة واستشرافية للتحديات القائمة والمستقبلية، وذلك من خلال تهيئة الشباب المواطن ليكون منافساً قويّاً في سوق العمل الوطني والدولي، عبر إمداده بالمعارف والعلوم المتقدِّمة والمهارات، التي تجعله قادراً على استشراف المستقبل، والتخطيط الجيد لمواجهة تحدياته. لقد دأبت دولة الإمارات، وبفضل توجيهات القيادة الرشيدة، على تحويل التحديات إلى فرص مستقبلية، من خلال اعتماد مجموعة من الخطط والاستراتيجيات التي تواكب التطور العلمي والمعرفي وتجعلها صاحبة دور محوري في صناعة مستقبل الإنسان، إذ يشار في هذا الجانب إلى «استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة»، التي جاءت لتعزيز الاستثمار في قطاعات المستقبل القائمة على الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والحوسبة السحابية، والطباعة الثلاثية الأبعاد، وإنترنت الأشياء، وَازَاها اهتمام الدولة باعتماد برامج تدريبية وتعليمية، تسهم في إعداد أجيال تمتلك مهارات وقدرات التعامل مع الثورة المعرفية الجارية. 
وفضلاً عن ذلك كلّه، أطلقت الدولة «استراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل»، التي تشتمل على بناء نماذج مستقبلية للقطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية والتنموية والبيئية، ومواءمة السياسات الحكومية الحالية، وبناء قدرات وطنية في مجال استشراف المستقبل، وعقد شراكات دولية وتطوير مختبرات تخصصية وإطلاق تقارير بحثية حول مستقبل مختلف القطاعات في الدولة، بهدف وضع أنظمة حكومية تجعل من استشراف المستقبل جزءاً من عملية التخطيط الاستراتيجي في الجهات الحكومية وإطلاق دراسات وسيناريوهات لاستشراف مستقبل القطاعات الحيوية كافة.
إن تعداد المبادرات والإجراءات التي اتخذتها دولة الإمارات بشأن تطوير المعارف والعلوم لدى مواطنيها، بما يتماشى مع تغيرات المستقبل لا يمكن إحصاؤه بسهولة، فقد بات يُشهد للدولة بقدرتها الفائقة على اتخاذ خطوات كبيرة للاستثمار في الإنسان، الأمر الذي انعكس على تزويد شبابها بالمهارات اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل، الذين حملوا على عاتقهم في المقابل مسؤولية كبيرة في تطوير مهاراتهم، والتزود بالعلوم والمعارف التي تمكّنهم من التكيّف مع المتغيرات المتوقعة في قطاع التعليم وسوق العمل، وتجهيز أنفسهم بأعلى المستويات العلمية والاحترافية التي تحوّل التحديات أمامهم إلى فرص. 

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية