كان التقارب الخليجي على مدى السنوات الأربعين الماضية، من خلال منظومة «مجلس التعاون الخليجي»، مشروعاً قائماً لم ينته العمل فيه بعد، وتعاون خجول في السياسة الخارجية والمصالح المتباعدة نسبياً، ولذلك فما تحقق في حقيقة الأمر لا يرتقي لمستوى التحديات والتهديدات التي تواجهها المنطقة ككل ولا لطموح الشارع الخليجي. وجاءت قمة «العلا» في المملكة العربية السعودية لتحدث زلزالاً سلمياً يخفف من حدة التوتر في المنطقة، ودعونا نأمل أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التكامل الخليجي والرؤى السياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والتنموية، التي تلبي متطلبات الأمن الخليجي المستدام ككتلة واحدة تنعكس على الأمن الشرق أوسطي ككل لمواجهة المخاطر والتهديدات غير المسبوقة، وذلك كتداعيات وتأثيرات صراع الهيمنة بين القوى الكبرى في العالم وتوابع الأحداث والأزمات والكوارث الطبيعية فيما هو قادم من سنوات. 
فهناك قوى عديدة كانت تدفع لإنهاء الخلاف السياسي بين الدول الخليجية وبعض الأطراف العربية الأخرى التي هي في صلب النزاع، وخاصةً أن المنطقة، بل العالم ككل، على صفيح ساخن، والمتغيرات على الساحة الدولية من جميع الجوانب تسهم حتماً في إعادة النظر في الأولويات، فمن جائحة لا تعترف بالحدود والحكومات، إلى أوبئة جديدة من المحتمل أن تغزو العالم في المستقبل القريب، إلى كوارث طبيعية سوف تتسبب في خسائر فادحة في مختلف القارات، إلى أزمة مالية عالمية متوقعة، وتساؤلات محيرة حيال إدارة الرئيس الأميركي الجديد المنتخب «جو بايدن» والملفات التي ينوي أن يقلب بها الطاولة على حلفاء الأمس، ويعيد رسم الخريطة السياسية للعالم، بما في ذلك القيادات التي تدير الدول بما يحقق مصالح أميركا، والعمل بذكاء من خلال الدبلوماسية والتكتلات والتحالفات والتمركز العسكري النوعي، وضربات ردع غير مباشرة وغير مرئية، وقبول مفاهيم القيادة المشتركة للعالم.
ومن جانب آخر، تتنامى الضغوط الاقتصادية والمالية على دول مجلس التعاون الخليجي، والتي قد يفاجئ بعض أعضائها باقي الدول بتعاون عسكري مع منافس استراتيجي إقليمي أكثر من السابق، وبالمقابل ستعمل دول المنطقة ككل على إثبات وجود لها في البحار وأعماق البحار والفضاء وبالمقابل سيقل الاهتمام باليابسة، وبالتحركات في المجال الجوي التقليدي ويصبح البحث العلمي والاختراعات والاكتشافات المربوطة به والتكنولوجيا المتقدمة والريادة المعرفية والحصول على بدائل للندرة في بعض الموارد الطبيعية الخام من يقود حرفياً سباق الرهان على المستقبل.
إذاً ما كان يسمى بالصدع الخليجي من الطبيعي أن يتدرج في الاختفاء، ولن يحدث ذلك بين ليلة وضحاها. وفي الواقعية السياسية حُسن النوايا وحده، قد لا يكفي، ولابد من أن يصاحبها صدق في الأفعال، والأهم هو عدم فتح المجال للآخرين ليشكلوا ضغوطاً مباشرةً على العمق الخليجي ومصالح البيت الخليجي في الداخل والخارج، كما يمثل الصلح الخليجي ورقة ضغط على بعض دول الجوار.
ولربما سمعنا في المستقبل القريب عن جهود مكثفة تقودها أميركا لإنهاء الحرب في اليمن، وفتح باب الحوار مع إيران وجذب تركيا مجدداً لتكون لاعباً نشطاً في حلف «الناتو»، وربما يكون الصلح غير مرحب به من قبل دول كبرى أخرى ترغب في لعب دور وسيط أفضل من الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومن غير المرجح أن يؤثر الانفراج داخل دول مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير على الديناميكيات الجيوسياسية خارج المجلس الخليجي، لتبقى مسارح الصراع مفتوحة، وهو سبب لأن يتواصل بعض اللاعبين من خلال وكلائهم لتصفية الحسابات الجيوسياسية. وعندما يجلس «بايدن» خلف عجلة القيادة السياسية لبلده، من المتوقع أن يتخذ نهجاً أكثر توجهاً نحو السلام في المنطقة، والمساهمة في تحول كبير في العلاقات الإيرانية- الخليجية.