لا يزال العالم ينزف من هول ما أصابه جراء جائحة فيروس كورونا المستجد، والذي شكّل له مأساةً، وتسبب في حدوث خسائر فادحة في الأرواح والأموال، حيث تعطلت كثير من مجالات الحياة، وانكمشت الاقتصادات، ودفع الجميع أغلى فاتورة جماعية من نوعها منذ فترة طويلة. إنها مصائب فيروس كورونا الذي غزا العالم كله على حين غرة، حيث باغت الجميع في وقت سريع وغير متوقع، فارضاً أوضاعاً جديدة على البشرية لم تكن بالحسبان مطلقاً.
لقد مرت قبله سنوات من الخراب والدمار على بلدان عربية عدة، تعرضت لتشريد شعوبها وتدمير مدنها واحتلال أجزاء من أراضيها.. فيما يسمى «الربيع العربي»، وهو الاضطراب العنيف الذي فتك بالأمة وقسّمها وهجّر الملايين من أبنائها، منهم من قتل، ومنهم من مات غرقاً في الشواطئ والموانئ والوديان، ثم أتت جائحة «كورونا» المؤلمة لتشكل تحدياً جديداً آخر للبشرية كلها، حيث تعطلت عجلة الحياة في كثير من القطاعات والمجالات، وتعرض الاقتصاد العالمي لضربة قاسية. وفي ظل هذه الظروف زادت مؤشرات التوتر داخل المجتمعات وبين الدول، وارتفع المنحنى البياني للجريمة في عالم أصبح غير آمن وغير مستقر، يعاني معظمه الفقر والجوع والعوز.. كما يعاني بعضه ضعف الحس الإنساني في ظل جائحة كبّلت الجمعيات الخيرية ومؤسسات الصليب والهلال الأحمرين الفاعلة.
ولا يزال العالم يتفرج غير آبه ولا مدرك لأضرار البشر وتعطل مواردهم، لأن الأزمة أكبر من توقعات المحللين الاستراتيجيين الذين تاهوا وأُسقط بيدهم لعدم قدرتهم على استشعار هول الجائحة قبل حدوثها.
وما يزيد الطين بلّة، ويفاقم التوتر والقلق لدى الكثيرين في أنحاء المعمورة، ويرفع مؤشرات الإحباط لديهم، وجود تقارير جديدة حول ظهور جيل جديد من فيروس كورونا المستجد، وهو سلالة متحورة من نفس الفيروس المستجد نفسه الذي هزم العالم بكل قوته وتقدمه العلمي والتكنولوجي والعسكري والاقتصادي والإداري.. فقد استطاع الإنسان غزو الفضاء الخارجي وكواكبه البعيدة، لكنه لم يستطع فعل الكثير أمام فيروس صغير لا يكاد يرى بالمجهر الإلكتروني!
وفي ظل التقدم الطبي المذهل عكف العالم طوال عام كامل على محاولة إيجاد لقاح مضاد لهذا المرض الذي عصف بالمجتمعات والاقتصادات، وحقق بعض النجاح في ذلك، ما يعد تقدماً نافعاً ومفيداً للناس جميعاً في مقاومة ومعالجة هذا الوباء سريع الانتشار وقوي الفتك.
لكن الدول المتقدمة والمؤثرة، التي صنّعت اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، لم تجد إلى الآن السبب المقنع وراء ظهور هذا الفيروس، ولم تحدد طبيعته ولا أسباب انتشاره، رغم أنه يهدد البشرية كلها بلا استثناء.
وسوف يكون 2021 عاماً مفصلياً ومهماً وحاسماً في محاصرة ومحاربة هذا المرض والتصدي له. لقد رحل عام 2020 غير مأسوف عليه، طويت صفحته بكل ما انطوت عليه من تداعيات ومخاطر، وسوف نستفيد من عبر ودروس الجائحة التي شهدها، لأن البشرية كلها تعرضت لاختبار كبير وعسير جداً، بدأ يغير كثيراً من العادات والتقاليد، لاسيما تلك التي يغلب عليها طابع الإسراف والتبذير واللامبالاة، وبالمقابل سوف تترسخ سمة الترشيد والتقشف بعد هذه الجائحة التي قلبت الكثير من الموازين والقيم التي عرفتها فترات سابقة من الرخاء والازدهار والبحبوحة العالية. 

*كاتب سعودي