في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر المنصرم كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، يعلن عن تسليم الإمارات تعهداتها الوطنية في اتفاقية باريس للتغير المناخي، وفيها التزام إماراتي مستقبلي بخفض انبعاثات الكربون بنسبة الربع قبل عام 2030.
الإعلان الإماراتي يستدعي الحديث عن منطلقات الرؤية الإماراتية التنويرية لجهة أحد أهم، بل وأخطر الملفات التي تتهدد البشرية في قادمات أيامها، وهو ملف التغيرات البيئية والمناخية التي باتت تبعاتها أخطر من انفجار الأسلحة الذرية، وهو الأمر الذي عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بقوله: «التغير المناخي هو المعركة الأبرز للبشرية خلال العقود القادمة للحفاظ على كوكب الأرض سليماً للأجيال الجديدة».
الرؤية الإماراتية الرشيدة للإشكالية الإيكولوجية تبدت كذلك الشهر الماضي خلال اللقاء الذي جمع معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، مبعوث دولة الإمارات الخاص للتغير المناخي بـ «الوك شارما»، وزير الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية في المملكة المتحدة، رئيس مؤتمر الأطراف المشاركة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
خلال اللقاء كان الدكتور الجابر يؤكد أن مسيرة الإمارات في قضية المناخ تنطلق من ركيزة إرث الاستدامة الذي رسخه المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولهذا تُولي الإمارات أولوية قصوى للإدارة المسؤولة للموارد الطبيعية وحماية البيئة، وكذلك تتطلع إلى تحقيق المزيد من التقدم في الجهود الرامية للتصدي لظاهرة التغير المناخي على المستويين المحلي والعالمي.
رؤية الإمارات ترى الوجود برمته في مواجهة أزمة عميقة، لا تفلح معها محاولات الهروب البراجماتية قصيرة النظر، والساعية إلى تحقيق مكاسب شخصية على حساب خسائر الخليقة برمتها بشراً وحجراً وطبيعة.
يدرك القائمون على ملف «التغير المناخي» في الإمارات العربية المتحدة أن تضافر الجهود والعمل الجماعي لا غنى عنهما، وأنه ما من طريق لانتشال الكوكب الأزرق من معاناته التي تزداد يوماً تلو الآخر، إلا توحيد الجهود البشرية، وقبل اقتراب مؤتمر الأطراف القادم لتغير المناخ في غلاسكو.
والشاهد أن تفشي فيروس كوفيد-19، ربما يكون قد لفت انتباه العالم إلى حتمية التعاضد وسيادة مفهوم «الأخوة الإنسانية»، وباعتبار الأرض هي بيتنا المشترك، وهي الأم لكل ساكنيها، لذا يبقى من الضروري جداً التعاطي معها بإحساس وشراكة عاليين، لا سيما وأنها لا تغفر لمن يسيئون إليها، وما الاحتباس الحراري، وموجات التسونامي، وظاهرة التصحر، إلا ردات فعل الطبيعة الغاضبة على الإنسانية.
في هذا السياق نتساءل: ماذا عن وضع منطقة الشرق الأوسط ضمن خطوط طول وعرض الأزمة المناخية؟ ربما نجد الجواب عند «أوليفيا لازارد»، الباحثة الزائرة في مركز كارنيجي بأوروبا، والتي تركز أبحاثها على الجوانب الجغرافية للمناخ، والمرحلة الانتقالية التي أطلقها التغير المناخي.
ترى «أوليفيا» أن هناك خطراً داهماً يهدد المنطقة وبخاصة مع ندرة المياه العذبة، وحروب المياه القائمة والقادمة، ناهيك عن جفاف الأرض، ما يعني ندرة المحاصيل والمزيد من نقص الغذاء.
والثابت أن تلك التغيرات لا تعني مستقبلاً أيضاً سوى المزيد من الحروب البينية، والهجرات العشوائية، ناهيك عن الصراعات الماورائية. تأتي رؤية الإمارات للأزمة المناخية العالمية لتزيد من احترام العالم للحوكمة الرشيدة التي تعيشها هذه الدولة الفتية، وهي نظرة تجد تقديراً من حكومات العالم ومؤسساته الأهلية على حد سواء، ما يضاعف نجاحات الإمارات في محيطها الإقليمي من جهة، ورؤيتها العالمية من ناحية أخرى.
*كاتب مصري