قبل دخول وسائل التواصل الاجتماعي إلى حياتنا، كُنا نعرّف الشخصية العامة بأنها الإنسان المفرد الذي تظهر أخباره بشكل دوري في الصحافة والتلفزيون بسبب حضوره المستمر في الحياة العامة، كأن يكون ذا وظيفة عامة تتماس مع حياة كثيرين، أو أن يكون ذا موهبة خاصة يتعلق بها كثيرون، أو أن له مكانة دينية أو اجتماعية معينة تجعله محط الأنظار أينما حل وارتحل.
هذا المفهوم انقلب رأساً على عقب مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وتغلغلها في حياة الشعوب، وبخاصة المتحضرة والغنية منها، إذ أصبح كل مستخدم لهذه الوسائل هو – على المستوى النظري – شخصية عامة، مكشوفة على الجميع، ومرصودة – وهنا يكمن السبب في كتابة هذا المقال – الأفعال والأقوال والآراء، الأمر الذي يُبقي ماضيه، حتى وإن تقادمت أحداثه، واحداً من المحددات المهمة في الحكم على شخصيته في الحاضر والمستقبل.
قبل عقود، كان السياسيون يفاجئون أحياناً بمن ينبش تاريخهم ويخرج للعلن مواقف أو آراء لهم لا تتناسب مع حاضرهم، الأمر الذي ينعكس بالسلب في أحايين كثيرة على مستقبلهم السياسي، وربما أن أقرب مثال على ذلك هو سيل الفيديوهات القديمة التي تخرج للعلن للمترشحين للبرلمانات أو للرئاسة في الدول الغربية وبخاصة أميركا والتي تتناقض مع سلوكهم أو آرائهم في الوقت الحاضر، مثل الفيديوهات التي رأيناها قبل أشهر للرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب أو الرئيس المنتخب جو بايدن.
قبل عقود كان السياسيون هم ضحايا «التنبيش» في تاريخهم بحكم التوثيق الإعلامي الذي كان يرافق مسيرتهم المهنية. واليوم أصبح كل واحد منا ضحية مفترضة للتنبيش في تاريخنا، ما قد يؤثر على مستقبلنا، لأننا -وبكامل قوانا العقلية- أصبحنا نوثق كل ما نقوله وما نفعله ونرفع ذلك على سيرفرات (خوادم) بعيدة لا تمكننا- ولو أردنا- من الشطب والتعديل والإضافة في تاريخنا المكتوب والمصور!
ألاحظ اليوم، وربما يلاحظ كثيرون غيري، أن حملات «التنبيش» والبحث في التاريخ القريب البعيد عن مداخل سوء، لكل من تُسند له مهمة معينة، أو يتسلم منصباً حكومياً رفيعاً، أو يدخل في دائرة الشهرة لسبب معين، أصبحت ممارسة يومية لآلاف المغردين على وسائل التواصل الاجتماعي، وعادة مقبولة عند الكثيرين، وكأن هذه «الشخصيات المنبوشة» التي كانت ضحايا لمراهقتها أو طيشها أو جهلها مطلوب منها أن تكون على نفس الدرجة من العلم والوعي والحكمة طوال عمرها.
لست من المؤيدين للتنبيش، ولست مؤيداً بطبيعة الحال لمعاقبة المنبوشين بسبب رأي أو موقف أو حادث تقادمت سنينه، لأنني مؤمن أن ما يُبنى على باطل هو باطل بالضرورة، إلا في الحالات المجرمة جنائياً بالطبع، فهذا أمر لا يمكن تجاوزه، لكن ذلك لا يمنعني أن أقول لكم، كونوا حذرين من كل كلمة تكتبونها أو فيديو ترفعونه على منصات التواصل الاجتماعي، فكلكم اليوم شخصيات عامة إلا ما ندر!
*كاتب سعودي