تركز الهند منذ سنوات على تعميق العلاقات مع دول الشرق من خلال «قانون سياسة الشرق». تسعى هذه السياسة، إلى تنمية علاقات اقتصادية واستراتيجية قوية مع دول جنوب شرق آسيا حيث تسعى الهند للظهور كقوة إقليمية. أحد الانتقادات الرئيسية لهذه السياسة هو أن معظمها لا يزال على الورق وأن الطموحات الأكبر لم تتحقق بعد، خاصة وأن تطوير الروابط بين دول شمال شرق الهند ودول الآسيان هو المفتاح لسياسة قانون الشرق. لا يزال المجال الرئيسي الذي يبرز بين الهند ودول «الآسيان» هو مجال الدفاع.
تتكون رابطة دول جنوب شرق آسيا أو الآسيان من إندونيسيا والفلبين وفيتنام وتايلاند وميانمار وماليزيا وكمبوديا ولاوس وسنغافورة وبروناي. وتسعى الهند إلى تعميق روابطها مع الدول المذكورة أعلاه من أجل فتح مجالات جديدة للتعاون. وبالتالي، ازداد التركيز على التعاون الدفاعي. كان هذا جليا في الاجتماع الأخير على مستوى القمة بين الهند وفيتنام، التي كانت من بين دول الآسيان الأكثر حرصا على توسيع العلاقات مع الهند.

عقدت الهند وفيتنام الأسبوع الماضي قمة على مستوى القادة. وأجرى رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» محادثات مع الرئيس الفيتنامي «نجوين شوان فوك» في قمة افتراضية في وقت توجد فيه أرضية مشتركة بين البلدين فيما يتعلق بالصين. لكل من الهند وفيتنام نزاعات إقليمية منفصلة، واحدة على الأرض والأخرى في البحر. وتنظر الهند إلى العلاقات من «وجهة نظر استراتيجية وطويلة الأمد». وعلى حد تعبير رئيس الوزراء مودي، فإن «السلام والاستقرار والازدهار هي هدفنا المشترك في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويمكن للشراكة أن تقدم مساهمة كبيرة في الحفاظ على الاستقرار والسلام في المنطقة».
تظل العلاقات مع فيتنام مكوناً رئيسياً لسياسة «قانون الشرق»، التي تسعى إلى تعزيز الروابط مع البلدان الواقعة في شرق الهند. وعقب المحادثات، أصدر البلدان وثيقة تسمى الرؤية الهندية-الفيتنامية المشتركة للسلام والازدهار والشعب، والتي أكدت على الكيفية التي تمضي بها البلدان قدما في تعميق العلاقات. نمت العلاقات التجارية بين الهند وفيتنام على مر السنين وبلغ حجم التجارة الثنائية 12.34 مليار دولار. بالنسبة للهند، تحتل فيتنام المرتبة الثامنة عشر بين أكبر الشركاء التجاريين على مستوى العالم وداخل «آسيان»، وهي رابع أكبر شريك تجاري بعد سنغافورة وإندونيسيا وماليزيا. هناك أيضا العديد من مجالات التقارب بين البلدين اللتين تعملان بشكل مطرد على تعزيز مشاركتهما.
من بين دول «آسيان»، تعد فيتنام دولة يتنامى معها التقارب. كانت فيتنام أيضا أكثر انفتاحا ووضوحا في مغازلة دول مثل الهند ومحاولة تنويع العلاقات الثنائية، لا سيما في المجال الرئيسي للتعاون المتمثل في الدفاع. ومن بين ست مذكرات تفاهم، تم أيضا توقيع إطار عمل لتعزيز التعاون بين الصناعات الدفاعية في البلدين بشأن إنتاج القوارب. وتشمل مجالات التعاون الأخرى الطاقة النووية وزيادة التعاون العملي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

في هذا الإطار، سلمت الهند أول 10 قوارب حراسة عالية السرعة لفيتنام والتي يتم تصنيعها بموجب خط ائتمان دفاعي بقيمة 100 مليون دولار قدمته الهند إلى فيتنام في عام 2014. ويجري بناء خمسة قوارب في حوض بناء السفن في مدينة «تشينائي» عاصمة ولاية «تاميل نادو» جنوب الهند، والباقي في حوض بناء السفن «هونج ها» في مدينة ميناء «هاي فونج» الفيتنامية تحت إشراف الشركة الهندية. كما تعهد البلدان ببحث أفق الإنتاج الدفاعي المشترك، والذي سيشمل تبادل المعدات الدفاعية والمعرفة التكنولوجية. كما كانت الهند حريصة على دعم صناعة الدفاع المحلية في فيتنام.

كجزء من التعاون الدفاعي، أجرت الهند وفيتنام أيضا مناورات بحرية، حيث أجرت سفينة حربية تابعة للبحرية الهندية «تدريب مرور» مع البحرية الفيتنامية في بحر الصين الجنوبي كجزء من الجهود المبذولة لتعزيز التعاون البحري بين البلدين. تعمل الهند على تعزيز تعاونها الدفاعي مع دول جنوب شرق آسيا حتى في الوقت الذي تسعى فيه إلى زيادة هيمنتها في المنطقة. ولم تقدم الهند معدات دفاعية فحسب، بل كانت تبحث أيضا إمكانية الإنتاج المشترك.
وبالمثل، فإن الهند لديها تعاون دفاعي ومناقشات مع كمبوديا ولاوس وبروناى والفلبين. في أكتوبر من هذا العام، منحت الهند دولة ميانمار غواصة من طراز «كيلو» بقدرة 3000 طن تعمل بالديزل والكهرباء. إلى جانب ذلك، تعمل الهند على تطوير أول ميناء في أعماق البحار في «سابانج» بإندونيسيا بالقرب من جزر «أندامان» ونيكوبار"، حيث يتم تطوير الميناء بالشراكة مع إندونيسيا، حيث سيعطي الهند قوة بحرية في المنطقة. كما سيتيح للهند وصولا أكبر إلى جنوب شرق آسيا كقوة موازنة.
تهدف الهند إلى الظهور كقوة في شمال شرق المحيط الهندي ولعب دور استراتيجي أكبر في منطقة جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ. ومن الواضح أن رغبة الهند في زيادة وجودها الدفاعي تلقى ترحيبا من قبل دول الآسيان التي تسعى إلى تحقيق توازن مع الصين. وفي المستقبل، من المتوقع أن تزيد الهند تعاونها الدفاعي مع دول الآسيان.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي