كانت الأوبئة قديماً، وحتى في الماضي القريب، تنتشر وتنحسر، بعد أن تفني ما تفنيه من البشر، لا علاج ولا وقاية، ولا تكهنات وتوقعات. ليس لدى الناس غير تفسيرها بالغضب الإلهي لكثرة المعاصي. يتحدث ابن الجوزي(ت: 597هجرية) في أخبار (449 هجرية) وقع «وباء عظيم، مسرف زائد عن الحدِ... وتاب النَّاس كلهم، وتصدقوا بمعظم أموالهم، وأراقوا الخمور، وكسروا المعازف، ولزموا المساجد»(المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم)، 
تشتد قديماً الشَّعوذة في مواسم الأوبئة، ومازالت كذلك عند فئات مِن البشر، ففي السَّنة (456 و600 هجريَّة) ظهر وباء بالعراق يُصيب الحلوق ومات الكثير منه، عندها ظهر مَن عزا الوباء إلى غضب الجنية «أم عنقود» عليهم، لأن ابنها عنقود، ويُعرف بـ«سيدوك»، قد مات ولم يحزن عليه النَّاس، ولم يقيموا له المآتم! فخرجوا حاسري الرُّؤوس يقولون: «يا أمَّ عنقودٍ اُعذرينا قد مات عنقود ما درينا، وكان النِّساء يلطمن»(ابن الأثير، الكامل في التَّاريخ). 
عندما كان يُقال «وباء» يعنى به في الغالب «الطَّاعون»، وربما أول الأخبار عنه في تاريخ الإسلام كان السَّنة (18هجرية) «طاعون عمواس»، الذي وقع بالشام، واتفق مع القحط بالمدينة، وسميت تلك السنة بـ«الرَّمادة»، وكانت عسيرة على المسلمين. سمي الطَّاعون في بعض مواسمه بـ«الوباء المهول»(الذَّهبي، تاريخ الإسلام) مثل الذي حدث (318هجريَّة)، وجاء ذكره بـ«الوباء الوسطي»، الذي يقع بين وباءين(ابن تغرى بردى، النُّجوم الزَّاهرة) الذي حصل (755هجريَّة). كذلك اشتهر وباء (131هـ)، ومات فيه مؤسس المعتزلة واصل بن عطاء. 
أمَّا الوباء العالمي الأعظم فوقع (748-750هجرية)، وعُرف بـ«الفصل الكبير»، و«سنة الفناء»، أصاب الأرض شرقاً وغرباً، بدأ مِن أرض المغول، حيث دار حكم القان الكبير، وصل تبريز، فالعراق، وبلاد الشَّام كافة، وضرب غزة، والقاهرة، والإسكندريَّة، وبيروت، وقبرص، وقسطنطينية حيث بلاد الروم، وبلاد الفرنج، وأنطاكية، وبوادي العرب، ومات فيه ثلاثة ملوك، وخلقٌ لا يُعد ولا يحصى، «لم يقع مثله في سالف الأعصار». 
هلكت فيه الزروع، ونفقت الحيوانات، وتعطلت المصالح والسياسات، وتعطل الأذان في المساجد، لكثرة الموت لم يجد الموتى أكفاناً وتوابيتَ، وناس أخذت تقيم في المقابر لقرب الموت منهم، وصارت المواريث تنتقل إلى الرابع والخامس مِن الوارثين، خلت الطرقات مِن المارة، وتعطل الصّيد مِن البحر، والحقول لا تجد مَن يزرعها، والوالي لا يأتيه مَن يشكو إليه مظلمةً، ولا القاضي يجد شهود عدول، عندها نُصح بقراءة سورة «نوح»، لشبه الكارثة الكونيَّة، فاجتمع النّاس في المساجد يقرؤونها، ونودي بقراءة «صحيح البخاري»، لدرء الفناء. ظل الوباء يدور «على أهل الأرض مدة خمسة عشر عاماً»(النُّجوم الزَّاهرة). 

نحن الآن في زمن الوباء العالمي «كوفيد- 19»، حتى الآن أصاب الملايين، والموتى في تزايد. كان مصدر الطاعون الأكبر المذكور مِن الشرق الأقصى حيث منغوليا، وهذا وكوفيد الذي نعيشه مصدره الصين، كذلك نجد الشعوذة في التفسير واحدة. ظهر مشعوذون يستخدمون أرقى التقنيات العلمية، فواحدة مِن الشّعوذات تقول: إنَّ كورونا تخطيط غربي، لتقليل سكان الأرض، والخطة المرسومة إنقاص سكان الكوكب ملياراً حتى (2025)، لتبقى الفوارق قائمة بين العبيد والأسياد. غير أنَّ هؤلاء الخبراء في نظرية «مالتوس»(القرن التاسع عشر) القائلة بإعادة التوازن بين موارد الطبيعة وعدد السكان، لم يمنع هؤلاء تقدم الطّب الهائل، الذي سُهل الولادات وأطال عمر الإنسان أضعافاً، ولم يذكروا قصص الأوبئة الكبرى التي كانت تجتاح البشرية، يا ترى مَن كان المتآمر فيها؟! 
جاء في الوباء الأعظم شعر كثير، قال صلاح الدِّين الصَّفدي(ت: 764هجرية): «رعى الرَّحمن دهراً قد تولى/يُجاري بالسَّلامة كلَّ شرْطٍ/ وكان النَّاس في غفلاتِ أمرٍ/ فجا طاعونُهم مِن تحت أبْطِ»(النُّجوم الزَّاهرة).